وتوهم رجوع القيد إلى الفاعل أو المادة كاشف عن إعوجاج الذهن، فإنه لا يرتاب أحد في أن مفاد العبارة الحكاية عن أن صدور العمل عنه كان في هذه الحالة - والصدور معنى يحكي عنه الهيأة - لا الحكاية عن صدور العمل عن زيد الضاحك، أو عن أن العمل المتصف بكون فاعله قائما قد صدر عنه، وهكذا الأمر في جانب الأمر به مطلقا ومقيدا، وفي سائر المعاني الحرفية مطلقة أو مقيدة.
وما عن بعض الأعاظم على ما في تقريرات بحثه (فوائد الأصول) (1): من أن الإطلاق بمعنى الشمول، والشمول إنما يتصور في المفاهيم الكلية، ومفهوم الحروف ليس بكلي، ممنوع صغرى وكبرى، فإنك قد عرفت أن قوام الاطلاق إنما هو بكون المعنى تمام الموضوع وتمام المراد - مثلا - وإن لم يتصور فيه شمول كشمول الكلي لأفراده، كما في الإطلاق الأحوالي والأزماني، وهذه التمامية متصورة في المعاني الحرفية أيضا، مضافا إلى أن المعاني الحرفية أيضا لا بأس بكونها كلية، فإن مفهوم قوله: " سر من البصرة " الأمر بالسير المبتدأ من البصرة، وهذا الابتداء يمكن تحققه في أي الأفراد المتصورة من أي نواحي البصرة شاء، فكل منها يصدق عليه السير المبتدأ به منها، فكما أن السير يصدق على أي سير اختاره، فهكذا الابتداء الذي دل عليه لفظة " من " يصدق على أي فرد من الابتداء اختاره، كما هو واضح، وتمام الكلام في مبحث المعاني الحرفية.
السابع: لا شك في أن المعنى اللغوي للألفاظ التي تجري فيها مقدمات الإطلاق معلوم بنفسه لا تجري المقدمات لكشفه، كما لا ريب في أن استفادة الإطلاق متقومة بأن يكون المتكلم في مقام بيان تمام المراد، فلا محالة تنتج المقدمات الكشف عن المراد، وأن ما أفاده المتكلم تمام موضوع حكمه - مثلا - فالمقدمات تكشف عن ما أراده المتكلم.
وبعبارة أخرى إن مقدمات الإطلاق ناظرة إلى المعنى المقصود من الكلام، والى الجهة التركيبية منه، فإنها التي يكون بها بيان المراد، فالمقدمات كاشفة عن