الإجزاء هنا.
هذا تمام الكلام في الأصول.
وأما الأمارات: فإن قلنا فيها بالطريقية - كما هو الحق الواضح - فهي غير مقتضية للإجزاء، إذ لا شأن لها بحكم العرف والشرع إلا إحراز الواقع، ثم نرتب آثار الواقع على ما قامت عليه بمقتضى هذا الإحراز، لا بتعبد بترتبها، فلما انكشف الخلاف انكشف خطؤنا في ترتيبها، وكان إطلاق الدليل الواقعي الشامل لمن أتى بما اقتضته الأمارة أيضا مقتضيا لوجوب العمل عليه في الوقت وإن لم يعلم به، ويترتب عليه مع عدم إتيانه وجوب القضاء في خارجه. هذا.
ولكن ليس ببعيد أن يقال: إن موارد قيام الأمارات المخالفة للواقع دائما من مجاري حديث الرفع، إذ ذلك الواقع المحفوظ مما لم يعلم، فيشمله حديث الرفع، ومقتضاه - كما مر - الإجزاء، فيما إذا جرى لتنقيح موضوع التكليف.
بيانه: أن الحديث الشريف قد حكم برفع مالا يعلمون، ومعلوم بحسب الظاهر العرفي منه أنه لا يشمل ما علم عدمه، إلا أن العلم الذي يرادفه بالفارسية " دانستن " لا يصح إطلاقه إلا على ما طابق الواقع، دون ما خالفه، فإذا قطع بأمر يراه هو الواقع فهو قاطع به، لكنه ليس بعالم وإن كان يتخيل نفسه عالما ويعبر عن نفسه حين قطعه بأنه عالم، إلا أنه بعد كشف الخلاف يقول بارتكازه: إني لم أكن عالما بالأمر والواقع وإن كنت تخيلت أني عالم.
وبالجملة: العلم هو الانكشاف المطابق للواقع، وهو الظاهر منه، ولا سيما إذا علق ونسب إلى الواقع والأمر الواقعي، كما فيما نحن فيه، فإن ظاهر قوله: " مالا يعلمون " أن هنا شيئا ولا يعلمونه الأمة، ففيما نحن فيه الجزئية - مثلا - محفوظة ولا يعلم بها، فهي مرفوعة، ورفعها متقض للإجزاء كما عرفت.
إن قلت: لا ريب في تقدم الأمارات على أدلة البراءة حكومة أو ورودا، وأنه لا مجال لأدلتها مع وجود الأمارة، مع أن مقتضى ما ذكرت جريان حديث الرفع مع قيام الأمارة أيضا.