وأما الخاصة الثانية: فالظاهر استفادتها من اطلاق النهي، توضيحه أن النهي كما عرفت يقتضي باطلاقه ثبوت الحرمة في جميع الأزمنة المتتالية، واقتضاء هذا الاطلاق لشمول النهي لزمن عصيانه المطلق وإن كان غير ممكن، إلا أنه لا بأس باقتضائه لثبوت الحرمة على الطبيعة في زمان، وإن عصى نهيه في زمن متقدم عليه أو متأخر عنه، فكما يمكن تقييده بعدم عصيانه أصلا يستكشف من عدم تقييده اطلاقه لصورة عصيانه كذلك.
وبعد استفاده حرمة جميع الأفراد الطولية والعرضية، وعدم تقيد حرمتها بأن لا يعصى قبلا أو بعدا، لا يبعد دعوى انتقال العرف إلى خاصة ثالثة، هي استقلال كل فرد في الحرمة، لكي يكون إتيان فردين من الطبيعة المنهية دفعة ضعفا في العصيان والمخالفة بالنسبة إلى إتيان فرد واحد.
وبالجملة: يستفاد منه أن الحرمة دائرة مع الطبيعة حيثما دارت، ومن قبيل اللازم لها، فتتعدد النواهي بتعدد الأفراد، وعليه يصح دعوى أن المنشأ بالهيئة أو المادة سنخ الزجر المنحل إلى نواه متعددة، كما في نهاية الدراية.
ومن هنا يستفاد قيام المفسدة بنفس الطبيعة، فهو مدلول التزامي لاستقلال الأفراد في النهي لا بالعكس، كما يستفاد من تقرير بحث المحقق النائيني (قدس سره) كيف وطريق كشف المفسدة وكيفيتها إنما هو فهم تعلق النهي كما لا يخفى.
والمتدبر يعلم أن عمدة الفرق بين الأمر والنهي إنما هي من قبل منشأ الخاصة الأولى في الأفراد العرضية، أعني كون وجود الطبيعة بوجود فرد ما وعدمها بعدم جميع الأفراد، وإلا فيجري في الأوامر أيضا مقدمات الاطلاق التي استفيد منها الخاصة الثانية والخاصة الأولى في الأفراد الطولية، غاية الأمر أن مقتضاها حينئذ مطلوبية وجود الطبيعة المتحقق بفرد ما في جميع الأزمان، وكون هذه المطلوبية غير مشروطة بامتثال الأفراد السابقة أو اللاحقة، ولافتراقهما في نتيجة المقدمات لا يوجد في الأوامر الخاصة الثالثة، إذ منشأ استفادتها عموم الحكم لجميع الأفراد طولا وعرضا غير مشروط بعدم العصيان سابقا ولاحقا، وهو مفقود في الأوامر.