قصد القربة في نفس العبادة بعد أن لم يكن الكل إلا نفس الأجزاء يدل عليه، فالجزء وإن فرض عدم اعتبار القربة فيه بذاته إلا أنه بما أنه عين الكل تشترط فيه، كالذبح في الحج بما أنه ذبح وبما أنه عين الحج، وهذا بخلاف الشرط الذي لا يكون العبادة مركبة منه ومن غيره، بل يعتبر كونها متقيدة به، فمقتضى اعتبار القربة في العبادة أنها لو أتى بالمقيد بما أنه مقيد بقصد القربة، ولكنه فعل القيد بغير هذا القصد كان عبادته صحيحة، مثلا لو تستر باللباس لئلا يذهب ماء وجهه، ثم صلى لأداء وظيفته كانت صلاته صحيحة، فالشرائط كلها يحتاج اعتبار قصد القربة فيها إلى دليل خاص، ومنها الأوصاف المعتبرة في قراءة الصلاة كالجهر والاخفات.
وأما الأوصاف التي ليست بشرط فإذا نهى عنها فهي وإن كانت غير مفارقة عن الصلاة وغير مستقلة بالوجود فالنهي عنها ليس عين النهي عن الصلاة، بل هي كالأوصاف المفارقة، حيث إن الإتيان بها متحد مع الإتيان بالصلاة - مثلا - فإن الجهر هو بعين القراءة، كما أن الغصب بعين الصلاة، فكونه من مصاديق النهي عن العبادة مبني على امتناع اجتماع الأمر والنهي، وأما الخدشة في المثال لتعلق النهي بالوصف اللازم بالجهر والاخفات، بما في نهاية الدراية (1)، من أنهما من مراتب القراءة لا وصفان عارضان عليها، فهي مبنية على دقة عقلية غير معتنى بها هنا، بعد ما كان بنظر العرف القراءة شيئا وجهرها أو اخفاتها وصفا لها، فإذا كان الأمر هكذا عندهم فلا محالة بناء على جواز الإجتماع بل على الامتناع أيضا يعد الآتي بالقراءة مع الوصف المنهي آتيا بالمأمور به وممتثلا لأمر مولاه، كما لا يخفى.
إذا عرفت هذه الأمور فالبحث يقع في مقامين:
الأول: في العبادات:
والظاهر أن محل البحث فيها - كالمعاملات - هو تعلق النهي المفروض كونه