يقم برفع احتياجنا، مثل كون الشرب عند الصبح على الريق مثلا، فإنا بعد ما مرضنا فجسمنا محتاج إلى شرب الدواء عند الصباح مثلا، فتحقق الصبح ليس شرط حدوث الاحتياج، بل إنما هو شرط تأثير شرب الدواء في حصول ما به الحاجة، فقبل الصبح أيضا تكون الحاجة محققة لكن المحتاج إليه أمر استقبالي.
والوجدان شاهد على أنا في القسم الأول من القيود ليس لنا حب وشوق فعلي قبل تحقق القيد، فإنا لا نحب ولا نشتاق شرب الدواء حبا واشتياقا فعليا ما دمنا سالمين، بل ربما نكرهه كراهة شديدة.
نعم، نعلم في حال السلامة بأنه إذا مرضنا نشتاق إلى شربه، وهذا ليس شوقا فعليا، بل إنما هو علم بفعليته في ظرف حصول شرطه، فإذا مرضنا حصل لنا شوق فعلي إلى شرب الدواء، رفعا لما ابتلينا به من المرض، فإذا كان لقيامه بحاجتنا شرط استقبالي فبالوجدان نشتاق إليه بقيده ولو قبل وجوده، وهكذا يكون حالنا وشوقنا بالنسبة إلى شرب الدواء - مثلا - ممن نقوم بشأنه ونطلب رفاهه وصلاحه، كأولادنا وأعزتنا.
فالمولى الذي بصدد صلاح أمر عبيده أو إصلاح أمر نفسه بواسطتهم لا يكون له إرادة وشوق إذا كان لفعلهم قيد من قبيل القسم الأول ولم يتحقق بعد، وإنما يشتاق ويريد فعلهم بعد ما تحقق هذا القيد، لكنه لمكان علمه بأنه إذا تحقق هذا القيد فالعمل فيه صلاح واليه حاجة، فلذلك يقوم مقام إيجاب هذا العمل عليهم في فرض تحقق هذا القيد وحصوله الذي هو فرض حدوث الصلاح فيه والحاجة إليه.
والتحقيق: أن الأحكام الشرعية بل الواجبات العرفية أحكام قانونية، ووظائف جعلية لا تحتاج في ظرف تحققها إلى فعلية الإرادة في الواجبات، ولا إلى فعلية الكراهة في المحرمات، لكنها مع ذلك في مقام جعلها تكون تابعة للإرادة الشأنية، بمعنى: أنه إنما يتحقق الوجوب القانوني في مورد لو علم بخصوصية الأمر لحصل الاشتياق إليه فعلا، كما يشهد به مراجعة وجداننا، وديدن العقلاء في جعل الوظائف لعبيدهم وغيرها، ومعلوم أن الشارع الأقدس لم يتعد عن هذه