ثم إن بعض الأعاظم في تقرير بحثه أفاد: أنه لما كانت القضايا الشرعية قضايا حقيقية لا خارجية فلهذا لا فعلية للوجوب إلا بعد تحقق جميع القيود المأخوذة فيها، كما أن المحمول في القضية الحقيقية الخبرية لا يتحقق خارجا إلا إذا وجد الموضوع بجميع قيوده (1).
ولازمه - كما التزم به بعض أجلة تلاميذه في كتابه منتهى الأصول (2) -: أنه إذا تحقق عنوان المكلف بجميع قيوده ولكن كان الوجوب أو الحرمة متعلقا بأمر خارجي - كما في قوله: " حرمت عليكم الخمر " - ولم يتحقق بعد هذا الأمر فمع ذلك كله لا تتحقق الحرمة أصلا، لتوقفها على وجود الخمر الغير المتحققة بعد.
لكن الحق أن نحقق الوجوب أو الحرمة أو غيرهما، إنما يتوقف على تحقق ما جعله شرطا للوجوب أو عنوانا للمكلف وبعد تحققهما فالحرمة أو الوجوب ثابتة، فإن الوجوب الفعلي - كما عرفت - مبدؤه حصول احتياج العبد ووجوده.
والمولى بعد إحراز حاجة العبد لا محالة يشتاق إلى فعله القائم بحاجته، وإن كان هذا الفعل متعلقا بأمر لم يتحقق بعد ومقتضى الظواهر اللفظية أيضا ليس أزيد من إناطة الوجوب والبعث بوجود موضوعه وشرائطه، وأما وجود المبعوث إليه فليس مما تقتضيه (3).
وبعبارة أخرى: سواء كان التكليف بهيأة الأمر أو النهي، أو بمادتهما، أو بما يساوقهما فالظاهر عند العرف أن المكلف بوجوده الواقعي موضوع، ومفاد الهيأة أو المادة مع تمام متعلقاته بمنزلة المحمول له يثبت للموضوع إذا حصل وتحقق،