الاحكام القطعية محدودة جدا إن لم تكن معدومة.
والاحكام المعروفة بضروريات الدين كالصوم، والصلاة، والحج، وأمثالها، وإن ثبتت لها الضرورة القطعية، إلا أن ثبوتها لها إنما هو ثبوت في الجملة لا في جميع الخصوصيات، ولو جردت من الخصوصيات الثابتة بالامارات المعتبرة لتحولت إلى واقع لا تقره جميع المذاهب الاسلامية، فضلا عن إنكار كونه من الضروريات، على أن الاسلام ليس هو هذه الضروريات فحسب كما هو ثابت بالبداهة.
والرجوع إلى الاستصحاب وهو في رتبة سابقة على البراءة كما سبق بيانه، ويأتي مناقش صغرى وكبرى، أما الصغرى فلاحتياجه إلى حالة سابقة معلومة وشك طارئ عليها، وهو نادر ما يقع في الأحكام الكلية الثابتة بالضرورة، وفي غيرها لا علم بحالة سابقة، كما هو الفرض، وأما الكبرى فللشك في حجية مثل هذا الاستصحاب لرجوعه إلى ما يدور أمره بين مقطوع البقاء ومقطوع الارتفاع، لان الحكم المجعول إن كان واسع المنطقة إلى هذا الزمان، فهو مقطوع البقاء، وإن كان ضيق المنطقة فهو مقطوع الارتفاع، فما هو الحكم المعلوم اذن ليستصحب بقاؤه؟
وأصالة عدم النسخ إن رجعت إلى الاستصحاب فحسابها نفس هذا الحساب، وسيأتي فيها الكلام مفصلا.
اللهم إلا أن يدعي أن مراده هنا من الاستصحاب استصحاب عدم الجعل قبل البعثة، أو استصحاب عدم الحكم المجعول في حقه حال الصغر، ولكن الاشكال في جريان هذين الاستصحابين جار أيضا إما لعدم الموضوع فعلا لعدم مشاهدتنا للحالتين: حالة ما قبل البعثة، وحالة ما بعدها، لنجري في حقنا استصحاب الحالة السابقة، لو أريد استصحاب العدم بالنسبة لحكمنا الخاص، أما لو أريد استصحاب عدم