كل واحد من الأطراف تعيينا في عالم البعث والإرادة، فلا تكون إرادة واحدة بالنسبة إلى المردد، بل هناك إرادتان، أو إرادات متعددة، فيريد بها بعث الناس إلى كل طرف، ولكنه لمكان أن الأغراض كانت على النحو المزبور، فلا بد له من إفادة أن العبد مختار بالنسبة إلى كل واحد من الأطراف، وإن كان بالنسبة إلى ترك الكل غير مختار، وعند ذلك يأتي بكلمة تفيد ذلك الاختيار، سواء كانت من الحروف، أو كانت من الأسماء.
بل ربما يتمكن المولى من إفادة الاختيار بعد إيجاب الكل تعيينا، فإنه إذا بعث إلى الكل، ثم توجه إلى لزوم مراعاة السهولة والتسهيل، أو توجه إلى أن الغرض ليس من قبيل الأغراض في التعييني، فيأتي بالقرينة المنفصلة لإفادة ذلك بجعل العبد بالخيرة.
وإذا أمر بالاختيار فيكون كل طرف مورد الاختيار والخيرة، بلحاظ الاختيار الثابت للإنسان، وفى مقابل الوجوب التعييني المخرج عن الاختيار في عالم الادعاء والتخيل، لا في الواقع، انما قراءة القرآن * (ما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة) * (1) مع أن التكليف فرع الاختيار، فهذا النفي بلحاظ الوجوب المنافي للاختيار توهما، ولذلك إذا قضى بنحو الواجب التخييري أيضا ما يكون لهم الخيرة بالنسبة إلى ترك الكل.
وبالجملة: تحصل حتى الآن، أن التردد ليس في جميع المبادئ، ولا في التوصيف، بل معنى " أن هذه الشئ موصوف بالوجوب التخييري " أنه موصوف بالوجوب غير المنافي للاختيار في عالم الاعتبار والادعاء، فتوصيف الوجوب ب - " التخييري " لإفادة أن العبد بالخيرة بالنسبة إلى ترك هذا الطرف بخصوصه، فافهم واغتنم.