وأنت خبير: بأن حقيقة الإرادة التشريعية ليست إلا إرادة البعث، وهي تكوينية كسائر الإرادات، وسبب عدها تشريعية أنها تعلقت بالبعث والتشريع والتقنين، فإذن كيف يعقل تعلقها بما هو اللا تعين؟!
وبعبارة أخرى: تشخص الإرادة بالمراد، وهذا يرجع إلى أن وجودها به على حذو سائر الأوصاف الإضافية، وكما لا يعقل تعلق الإرادة الفاعلية إلا بالمعين، كذلك لا يعقل الأمر في جانب تلك الإرادة، لأنها بالمراد تتشخص وتوجد.
وتوهم: أن المراد في الإرادة الفاعلية جزئي، وفي الآمرية، كلي (1)، غير تام، فإن المراد في الآمرية هو البعث نحو الكلي، وهذا أمر جزئي يوجد بالإشارة وبالشفتين، ويكون من قبيل أفعال النفس، وإن كان لكل واحد من مبادئ هذا البعث أيضا إرادة خاصة، كسائر الأفعال التي تتعلق بها الإرادة، وتكون متقومة بمقدمات وخطوات، فلاحظ جدا.
فما هو المراد هو بعث الناس إلى المادة، وهو إذا تحقق يكون جزئيا، حذو سائر أفعاله، وما هو الكلي هو متعلق ذلك البعث، حسب المفهوم المعلوم منه للمخاطب، وهو ليس مورد الإرادة.
وإن شئت قلت: الإرادة في أفق النفس تعلقت بما هي موجودة في النفس، وتكون من صفاتها، فتكون جزئية خارجية، وأما كليتها فباعتبار نفس طبيعة المراد، مع قطع النظر عن هذا اللحاظ النوراني الساطع عليه.
أقول: وفي ختام هذه الشبهة تقريب آخر ينشعب منها: وهو أن كل موجود إذا صح اتصافه بشئ، فذلك الشئ إما يكون بنفسه خارجيا، أو وإن لم يكن خارجيا، ولكنه ذهني، والاتصاف به خارجي، كما في المعقولات الثانية على مصطلحات أرباب الحكمة مثل الوجوب والإمكان.