بما أشير إليه، ضرورة أن البحث عن وجوب المقدمة وحرمة الضد، لا يعد من المبادئ التصورية، ولا التصديقية، فلا بد وأن تكون من المبادئ الأحكامية، أي المقدمات التي يستنتج منها الحكم الشرعي من الوجوب والحرمة، لأجل تعلق الحكم الآخر بالموضوع الآخر.
وإدراجها في المسائل الأصولية حسبما سلكه المتأخرون ممكن، ولكن بناء على كون الموضوع علم الأصول هي الحجة في الفقه (1) يشكل الإدراج، لأنه بحث عن الوجوب واللا وجوب، لا عن تعينات الحجة واللاحجة كما لا يخفى، ولا سيما على ما فسروا الحجة: " من أنها هي الحجة بالحمل الأولي فقط " (2).
أقول: لو سلمنا جميع هذه المقدمات، فلا نسلم كونها من المبادئ الأحكامية، ضرورة أن البحث في هذه المسألة يدور مدار إمكان انحفاظ الإرادتين في المجمع وعدمه، وهذا ليس من البحث عن الملازمات العقلية المستكشف بها الحكم الشرعي.
نعم، إن قلنا: بأن المقصود أعم من المبادئ المنتهية إلى كشف الحكم الشرعي، ومن المبادئ المنتهية إلى إمكان حفظ الحكم الشرعي على موضوعه، فهو وجيه، إلا أن لازمه خروج مباحث الظن والشك عن مسائل العلم، لما يبحث فيها عن الإمكان المزبور، فإن شبهات ابن قبة (3) ترجع إلى امتناع المحافظة على الأحكام الواقعية في مرتبة الأحكام الظاهرية، فهذه المسألة خارجة عن المبادئ الأحكامية بالضرورة.