وإني وإن بحثت عن ذلك في أوائل الكتاب (1)، وبادرت إلى تعيين الموضوع له كسائر العلوم، ولكن الانصاف أنها مباحث متشتتة يجمعها الغرض الوحداني، وهو الفرار من التكرار اللازم في الفقه، ولتوسعة مباحثه ومطالبه دون في محل آخر، وإلا كان القدماء يتكلون على جل هذه المسائل في الفقه، فلو كان هو علما آخر وراء الأدلة على المسائل الفقهية، لما كان وجه للخلط المزبور، فهو في الحقيقة عبارة عن المبادئ التصديقية لمسألة فقهية، ومحل المبادئ التصديقية هو العلم الذي يستدل بها فيه، ولا محل آخر له يختص به، فتأمل.
وعلى كل تقدير: الأمر سهل، والمقصود واضح، والإطالة من اللغو المنهي عنه، والله الهادي والمعتصم.
ذنابة قد تبين مما سلف: أن هذه المسالة عقلية محضة، وليست لفظية، ولا مشتركة، ضرورة أن مناط المسألة العقلية هو كون البحث حول درك العقل وعدم دركه، من غير كون الكلام حول الدلالات اللفظية، ومنه تبين مناط المسألة اللفظية.
وإذا تبين ذلك فاعلم: أن مسائل الأصول بين ما تكون لفظية، كالبحث عن دلالة الأمر على كذا، والنهي على كذا، وعدمها، وما تكون عقلية ولفظية، كالبحث عن أن الأمر بالشئ يقتضي حرمة ضده، فإنه ربما يستدل باللفظ والدلالات اللفظية، وربما يستدل بالعقل، وما تكون عقلية صرفة، ولعل منها مسألة وجوب المقدمة.
وأما مسألتنا هذه فهي منها بلا إشكال، لعدم الاستدلال فيها على دلالة الأمر، أو النهي، أو الشئ الآخر على إمكان الاجتماع واللا إمكانه. والاستشهاد ببعض