وأنت خبير بأن المفهوم من هذا الخبر أن ذكر العفو والمغفرة في آخر هذه الآية إنما هو بالنسبة إلى ذلك الرجل الأول الذي كان هو السبب في نزول الآية لا بالنسبة إلى كل من ظاهر، فإن هذا الرجل المشار إليه كان جاهلا بتحريم ذلك، ومن ثم عفا الله عنه، وأما من علم بعد ذلك فإنه لا يدخل تحت الآية، بل تجب عليه الكفارة عقوبة لما ارتكبه من ذلك الفعل المحرم كما صرح به عليه السلام في الخبر المذكور.
وبما ذكرناه من التفصيل يظهر لك ما في كلام شيخنا المتقدم ذكره من الاجمال، وأن الفاعل لذلك مطلقا تحت المشية، فإنه لا معنى له، إذ الأول كما عرفت معفو عنه لجهله، والثاني حيث كان عالما بتحريم ما ارتكبه فإنه يجب عليه الكفارة عقوبة لما ارتكبه، فلا معنى لقياس هذا الفرد على غيره من الذنوب الداخلة تحت المشية، بل الحكم فيه بمقتضى الخبر المذكور هو ما عرفت.
وروى الصدوق في من لا يحضره الفقيه (1) بطريقه إلى ابن أبي عمير عن أبان وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: كان رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله يقال له أوس ابن الصامت، وكانت تحته امرأة يقال لها خولة بنت المنذر، فقال لها ذات يوم: أنت علي كظهر أمي، ثم ندم وقال لها: أيتها المرأة ما أظنك إلا وقد حرمت علي فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله إن زوجي قال لي: أنت علي كظهر أمي، وكان هذا القول فيما مضى يحرم المرأة على زوجها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ما أظنك إلا وقد حرمت، فرفعت المرأة يدها إلى السماء فقالت: أشكو إلى الله فراق زوجي، فأنزل الله عز وجل يا محمد " قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها " الآيتين، ثم أنزل الله عز وجل الكفارة في ذلك فقال " والذين يظاهرون من نسائهم الآيتين.