وإنما تصير رجعيا إذا لم يشتمل على عوض، والعوض باق في الجملة، إذ لا فرق فيه بين القليل والكثير، ومن ثم لو جعل ابتداء ذلك القدر الباقي بل أقل منه كفى في البينونة، فالجمع بين كون الطلاق رجعيا وبقاء العوض في مقابله متنافيان.
وفي صحيحة ابن بزيع (1) ما يرشد إليه، لأنه قال " وإن شاءت أن يرد إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت " وهي العمدة في الباب لصحتها، وظاهرها اعتبار رد الجميع لأن ما من صيغ العموم فلا يترتب عليه الحكم بالعوض.
و (ثالثها) جواز رجوعها دونه. أما الأول فلما تقرر من أن البذل من جهتها جائز فيتخير في الرجوع. وأما الثاني فلأن بقاء شئ من العوض مانع من رجوعه وهو حاصل هنا، وأضعفها الأخير لما يظهر من تلازم الأمرين حيث لا تكون المانع من قبله وهو هنا ليس كذلك، ولأن هذا لو صح لزم الاضرار به بأن ترجع في أكثر البذل، وتبقى شيئا يسيرا لتمنعه من الرجوع، وهو منفي، ولا وسيلة له إلى إسقاطه بخلاف ما تقدم، والوسط لا يخلو من قوة، انتهى.
أقول: لا يخفى أن المسألة المذكورة محل توقف وإشكال، أما بالنظر إلى التعليلات العقلية فلما عرفت من تصادمها وتقابلهما مع ما عرفت من أنها وإن خلت من ذلك لا تصلح لتأسيس الأحكام الشرعية.
وأما بالنظر إلى الروايات فلتعارضها أيضا بحسب الظاهر، فإن ظاهر صحيحة ابن بزيع كما ذكره تخصيص الحكم بالرجوع في الجميع فلا يكفي الرجوع في البعض، عليه السلام ومثلها قوله (عليه السلام) في آخر صحيحة عبد الله بن سنان (2) المتقدم نقلها عن تفسير الثقة الجليل علي بن إبراهيم " إلا أن يبدو للمرأة فيرد عليها ما أخذ منها " وظاهر رواية أبي العباس كما ذكره صحة الرجوع منهما ومنه برجوعها في البعض لقوله " إن رجعت في شئ من الصلح - يعني البذل - يقول: لأرجعن " والظاهر