ما كان يتوجه في بعض الملوك وسلوكهم: إن عامة الناس يأخذون المذاهب من السلاطين وسلوكهم، والناس على دين ملوكهم.
والحاصل: إن السلطان المغفور المذكور لم يكن مدعيا لخلافة النبي صلى الله عليه وآله ولا كان له حاجة في حفظ سلطنته إلى ما ارتكبه ملوك تيم وعدي وبني أمية وبني العباس، من هضم أقدار أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتغيير دينه أصولا وفروعا، ترويجا لدعوى خلافتهم، وليسلك الناس مسلكهم من مخافتهم، بخلاف هؤلاء الذين تقمصوا الملك الخلافة، وابتلوا الدين بكل بلية وآفة (1).
(6) قال ابن بطوطة: كان ملك العراق السلطان محمد خدابنده، قد صحبه في حال كفره فقيه من الروافض الإمامية يسمى جمال الدين لن المطهر، فلما أسلم السلطان المذكور وأسلمت بإسلامه التتر، زاد في تعظيم هذا الفقيه، فزين له مذهب الروافض وفضله على غيره، وشرح له حال الصحابة والخلافة، وقرر لديه أن أبا بكر وعمر كانا وزيرين لرسول الله وأن عليا ابن عمه وصهره فهو وارث الخلافة، ومثل له بما هو مألوف عنده من الملك الذي بيده إنما هو إرث عن أجداده وأقاربه، مع حدثان عهد السلطان بالكفر وعدم معرفته بقواعد الدين، فأمر السلطان بحمل الناس على الرفض، وكتب بذلك إلى العراقين وفارس وآذربايجان وأصفهان وكرمان وخراسان وبعث الرسل إلى البلاد، فكان أول بلاد وصل إليها بغداد وشيراز وأصفهان.
فأما أهل بغداد، فامتنع أهل باب الأزج منهم، وهم أهل السنة وأكثرهم على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وقالوا: لا سمع لا طاعة، وأتوا المسجد الجامع في يوم الجمعة بالسلاح وبه رسول السلطان، فلما صعد الخطيب المنبر قاموا إليه وهم اثنا عشر ألفا في سلاحهم، وهم حماة بغداد والمشار إليهم فيها، فحلفوا له أنه إن غير الخطبة المعتادة، إن زاد فيها أو نقص، فإنهم قاتلوه وقاتلوا رسول الملك ومستسلمون