والضياء يكون قبوله لما يقلبه في أسرع زمان بل في آن وما يقبله من الألوان والاشكال هي أشد روحانية وقربا من عالم الروحانيات وكذا الروح النفساني المنبعث من تجويف القلب الصاعد إلى تجويف الدماغ هو الطف وأشرف مما سبق من المذكورات الثلاثة فيقبل جميع ما قبلتها الثلاثة من الكيفيات والطعوم والروائح والألوان على وجه الطف وأشرف والى هاهنا تنتهي لطافة المواد (1) الجسمانية الطبيعية وهذا أيضا باب يخفى (2) على كثير من الناظرين في العلوم فلا يصرفون اعمال رؤيتهم فيه ولا ينظرون بعين التأمل والاعتبار حتى ينكشف لهم ان جوهر النفس له مراتب متفاوتة في قوه الوجود وضعفه وكمال اللطافة ونقصها وان أدنى مراتب اللطافة في النفس هو أشد بكثير من لطافة جوهر النور الحسى ولذلك يقبل رسوم سائر المحسوسات والمتخيلات والمعقولات عند تكونها في مراتب أنوار الحس والخيال والعقل فأول مادة تقبل النشأة الآخرة هي القوة الخيالية من النفس فيتمثل لها وتقوم بها أمثلة المحسوسات وصورها المفارقة عن موادها.
واعلم أن الفرق بين هيولي الصور الدنيوية وهيولي الآخرة غير ما ذكرناه بأمور أخرى.
ومنها ان ما يحل هذه الهيولى لا يحلها الا بعد حركه استعدادية وزمان سابق وجهات قابلية وأسباب خارجية بخلاف المادة الأخروية فان الصور الفائضة عليها انما تفيض عليها من المبدء الفياض من جهة المقومات والأسباب الداخلية (3) وجهاتها الفاعلية على وجه اللزوم عند تأكدها.