والعبرانيين وهم لا يعرفون الروحانيات واللسان العربي مشحون بالمجازات والاستعارات والعجب منه كيف غفل كجمهور الفلاسفة عن وجود عالم آخر جسماني فيه أجسام واشكال أخروية مع اعراضها كما قررناه ثم كيف حمل الآيات القرآنية الناصة الصريحة في أحوال المعاد الجسماني على الأمور العقلية مع تصديقه للرسول وايمانه بما في القرآن.
وفيه مبالغات وتأكيدات لما ذكرناه أقول منشأ ذلك أنه عجز عن اثبات هذا المقصد بالدليل العقلي وكذا عن امكانه لغاية غموضه كما يظهر لمن تدبر فيما قررناه فاضطر إلى التأويل كما وقع لغيره من علماء الاسلام في كثير من الآيات الواردة في أحوال المبدء الظاهرة في التشبيه والتجسيم فما فعله لا يوجب التكفير (1) كما لا يوجب فيما فعله غيره.
واما ما أورده عليه بعض المتأخرين من أن الامر في باب المعاد ولو كان كما زعمه يلزم ان يكون هادي الخلائق والداعي لهم إلى الحق مضلا لهم ومقرر الأكاذيب فان الأجلاف والعبرانيين كما قال لا يفهمون من هذه الألفاظ الا الظواهر التي زعم أنها غير مقصوده وهذا كما ترى مخالف للهداية فالاعتقاد به مناف لدعوى الايمان بصدق الرسول وحقية القرآن.
فأقول فيه نظر من وجهين الأول ان القرآن يشتمل على المنافع (2) الدنيوية والأخروية متاعا لكم ولأنعامكم ولا يلزم ان يعود منفعته الأخروية إلى أهل الجلافة والقسوة بل المنافع الأخروية يختص بنيلها أهل الصفوة وانشراح الصدر وهؤلاء الحمقى بمعزل عن الهداية والضلال جميعا كما قال تعالى ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس الآية.
والثاني ان هذه الظواهر المذكورة في القرآن لو لم يكن أمثالا وحكايات فيها