لكن ذكر في المستند ما محصله: أنه لو سبق أحدهما إلى مجتهد فحكم له بناء على جواز الحكم على الغائب يقدم لأنه حاكم حكم لذي حق مطالب فيجب اتباعه ويحرم الرد عليه، ولو استبق كل منهما إلى حاكم فحكم له يقدم من حكمه أسبق، وإن تقارنا لم ينفذ شئ منهما، وإن اشتبه السابق كان المرجع القرعة (1) وكذا إن لم يحكم واحد منهما، لعدم جواز الحكم على الغائب عنده.
وفيه: أن المفروض أن بناء المتنازعين على الترافع وأن اختلافهما إنما هو في تعيين من يرجعان إليه، فإذا سبق أحدهما إلى حاكم من دون رضى الآخر ليس له الحكم له من غير حضور خصمه من باب الحكم على الغائب فإن المفروض حضوره في البلد وللترافع. وإن كان المراد أنه يأمر بإحضاره وإن امتنع يحكم عليه لسقوط حق حضوره، ففيه: أن اللازم حضوره للمرافعة وهو حاضر لها، وأما وجوب حضوره عند هذا الحاكم الذي اختاره خصمه فلا دليل عليه، ولا يوجب امتناعه سقوط حقه.
فلا يتصور السابق واللاحق حتى يقدم الأول. نعم: إنما يتصور ذلك فيما إذا كان كل من المتداعيين في بلد ورجع إلى حاكم ذلك البلد فحكم له من باب الحكم على الغائب، ففي هذه الصورة يمكن أن يقال: بتقدم أسبق الحكمين، ومع الشك في السابق بالقرعة، ومع التقارن بعدم نفوذ واحد منهما، مع أن سقوطهما مع التقارن أيضا يمكن منعه، فإن الحكمين نظير الخبرين المتعارضين، لا السببين المتمانعين كعقد الأب لواحد والجد لآخر في آن واحد، إلا أن يقال: حيث لا يمكن التخيير يحكم بسقوطهما أو أن الأدلة منصرفة عن صورة تعارضهما، مع أنه يمكن أن يقال: للحاكم الثالث أن يختار واحدا منهما.