إلى أبي محمد بن مكرم بالنظر في الأعمال، وسار بعدهم بهاء الدولة نحو خوزستان فكاتبه العلاء وسلك طريق اللين والخداع، ثم سار على نهر المسرقان إلى أن حصل بخان طوق ووقعت الحرب بينه وبين أبي محمد بن مكرم والفتكين وزحف الديلم بين البساتين حتى دخلوا البلد وانزاح عنه ابن مكرم والفتكين وكتبا إلى بهاء الدولة يشيران عليه بالعبور إليها فتوقف عن ذلك ووعدهما به وسير إليهما ثمانين غلاما من الأتراك فعبروا وحملوا على الديلم من خلفهم فافرجوا لهم، فلما توسطوا بينهم أطبقوا عليهم فقتلوهم، فلما عرف بهاء الدولة ذلك ضعفت نفسه وعزم على العود ولم يظهر ذلك فامر باسراج الخيل وحمل السلاح وسار نحو الأهواز ثم عاد إلى البصرة فنزل بظاهرها فلما عرف ابن مكرم خبر بهاء الدولة عاد إلى عسكر مكرم وتبعهم العلاء والديلم فاجلوهم عنها فنزلوا براملان بين عسكر مكرم وتستر وتكررت الوقائع بين الفريقين مدة، وكان بيد الأتراك أصحاب بهاء الدولة من تستر إلى رامهرمز ومع الديلم منه إلى أرجان وأقاموا ستة أشهر ثم رجعوا إلى الأهواز ثم عبر بهم النهر إلى الديلم واقتتلوا نحو شهرين ثم رحل الأتراك وتبعهم العلاء فوجدهم قد سلكوا طريق واسط فكف عنهم وأقام بعسكر مكرم. وفيها ورد الوزير أبو القاسم الأبرقوهي من البطيحة إلى بهاء الدولة بعد عوده من خوزستان وكان قد التجأ إلى مهذب الدولة فأرسل بهاء الدولة يطلبه ليستوزره فحضر عنده فلم يتم له ذلك، فعاد إلى البطيحة وكان الفاضل وزير الدولة معه بواسط فلما علم الحال استأذنه في الاصعاد إلى بغداد فاذن له فاصعد فعاد بهاء الدولة وطلبه ليرجع إليه فغالطه فلم يعد. وفي سنة 386 سار قائد كبير من قواد صمصام الدولة اسمه لشكرستان إلى البصرة فاجلى عنها نواب بهاء الدولة، وسبب ذلك أن الأتراك لما عادوا عن العلاء كما مر كان لشكرستان مع العلاء فاتاهم من الديلم الذين مع بهاء الدولة أربعمائة رجل مستأمنين، فاخذهم لشكرستان وسار بهم وبمن معه إلى البصرة فكثر جمعه فنزلوا قريب البصرة بين البساتين يقاتلون أصحاب بهاء الدولة، وما إليهم بعض أهل البصرة ومقدمهم أبو الحسن بن أبي جعفر العلوي وكانوا يحملون إليهم الميرة، وعلم بهاء الدولة بذلك فانفذ من يقبض عليهم، فهرب كثير منهم إلى لشكرستان، فقوي بهم وجمعوا السفن وحملوه فيها ونزلوا إلى البصرة فقاتلوا أصحاب بهاء الدولة بها واخرجوهم عنها، وملك لشكرستان البصرة فكتب بهاء الدولة إلى مهذب الدولة صاحب البطيحة يقول: أنت أحق بالبصرة، فسير إليها جيشا مع عبد الله بن مرزوق وصفت لمهذب الدولة. ثم أن لشكرستان هجم على البصرة في السفن وكاتب بهاء الدولة يطلب المصالحة ويبذل الطاعة ويخطب له بالبصرة فاجابه مهذب الدولة إلى ذلك واخذ ابنه رهينة وكان لشكرستان يظهر طاعة صمصام الدولة وبهاء الدولة ومهذب الدولة.
وفيها توفي أبو الذواد العقيلي صاحب الموصل فطمع اخوه المقلد في الامارة، فلم تساعده عقيل على ذلك، وقلدوا أخاه الأكبر عليا، فاستمال المقلد بعض الديلم الذين كانوا مع أبي جعفر الحجاج بالموصل، وكتب إلى بهاء الدولة يضمن منه البلد بألفي درهم كل سنة، ثم حضر عند أخيه علي وأظهر له أن بهاء الدولة قد ولاه الموصل وسأله مساعدته على أبي جعفر لأنه منعه عنها، فساروا ونزلوا على الموصل فخرج إليهم من استماله المقلد من الديلم وضعف الحجاج، وطلب الأمان فامنوه وواعدهم يوما يخرج إليهم فيه، ثم انحدر في السفن قبل ذلك اليوم، فلم يشعروا به الا بعد انحداره، فتتبعوه فلم يدركوه، ونجا بحاله منهم وسار إلى بهاء الدولة ودخل المقلد البلد، وكان المقلد يتولى حماية غربي الفرات، وله ببغداد نائب فيه تهور فجرى بينه وبين أصحاب بهاء الدولة حرب انهزموا فيها، وكتب إلى بهاء الدولة يعتذر، وطلب انفاذ من يعقد عليه ضمان القصر وغيره، وكان بهاء الدولة مشغولا بمن يقاتله من عسكر أخيه، فاضطر إلى المغالطة وبرز نائب بهاء الدولة ببغداد وهو أبو علي بن إسماعيل إلى حرب المقلد، فلما بلغ الخبر إلى بهاء الدولة بمجئ أصحاب المقلد إلى بغداد انفذ أبا جعفر الحجاج إلى بغداد وأمره بمصالحة المقلد والقبض على أبي علي بن إسماعيل فلما وصلها راسله المقلد في الصلح فاصطلحا على أنه يحمل إلى عشرة آلاف دينار ولا يأخذ من البلاد الا رسم الحماية ويخطب لأبي جعفر بعد بهاء الدولة مع شروط أخر لم يف المقلد منها بشئ الا بحمل المال، وقبض أبو جعفر على أبي علي، ثم هرب أبو علي نائب بهاء الدولة واستتر وسار إلى البطيحة مستترا ملتجئا إلى مهذب الدولة. وفيها قبض بهاء الدولة على الفاضل وزيره واخذ ماله واستوزر سابور ابن اردشير فأقام نحو شهرين وفرق الأموال ووقع بها للقواد قصدا ليضعف بهاء الدولة، ثم هرب إلى البطيحة وبقي منصب الوزارة فارغا. واستوزر أبو العباس بن سرجس. وفي سنة 387 انفذ صمصام الدولة أبا علي بن أستاذ هرمز إلى خوزستان ومعه المال ففرقه في الديلم وسار إلى جندي سابور فدفع أصحاب بهاء الدولة عنها. وفيها خرج أبو الحسن على ابن مزيد عن طاعة بهاء الدولة، فسير إليه عسكرا، فهرب من بين أيديهم إلى مكان لا يقدرون على الوصول إليه، ثم راسل بهاء الدولة وأصلح حاله معه وعاد إلى طاعته، وهو بواسط، فوزر له ودبر امره وأشار عليه بالمسير إلى أبي محمد ابن مكرم ومن معه من الجند ومساعدتهم، ففعل ذلك وسار على كره وضيق، فنزل بالقنطرة البيضاء وثبت أبو علي ابن أستاذ هرمز وعسكره وجرى لهم معه وقائع كثيرة وضاق الامر ببهاء الدولة وتعذرت عليه الأقوات فاستمد بدر ابن حسنويه فانفذ إليه شيئا قام ببعض ما يريده وأشرف بهاء الدولة على الخطر. وفي سنة 389 دخل الديلم الذين مع أبي علي بن أستاذ هرمز بالأهواز في طاعة بهاء الدولة، وكان سبب ذلك أن ابني بختيار أبا نصر وأبا القاسم لما قتلا صمصام الدولة كما يأتي في ترجمته وملكا بلاد فارس، كتبا إلى أبي علي بن أستاذ هرمز بالخبر ويذكران تعويلهما عليه واعتضادهما به ويامرانه بأخذ اليمين لهما على من معه من الديلم والمقام بمكانه والجد بمحاربة بهاء الدولة، فخافهما أبو علي لما كان أسلفه إليهما من قبل أخويهما وأسرهما، فاستشار الديلم الذين معه فأشاروا بطاعة ابني بختيار ومقاتلة بهاء الدولة، فلم يوافقهم على ذلك ورأى أن يراسل بهاء الدولة ويستميله ويحلفه له، فقالوا نخاف الأتراك وقد عرفت ما بيننا وبينهم، فسكت عنهم وتفرقوا، وراسله بهاء الدولة يستميله ويبذل له وللديلم الأمان والاحسان وترددت الرسل، وقال بهاء الدولة أن ثاري وثاركم عند من قتل أخي فلا عذر لكم في التخلف عن الاخذ بثاري، واستمال الديلم فأجابوه إلى الدخول في طاعته، وانفذوا جماعة من أعيانهم إلى بهاء الدولة، فخلفوه واستوثقوا منه وكتبوا إلى أصحابهم المقيمين بالسوس صورة الحال، وركب بهاء الدولة من الغد إلى باب السوس رجاء أن يخرج من فيه إلى طاعته، فخرجوا إليه في السلاح وقاتلوه قتالا شديدا لم يقاتلوا مثله، فضاق صدره، فقيل له أن هذه عادة الديلم أن يشتد قتالهم عند الصلح لئلا يظن بهم العجز، ثم كفوا عن القتال وأرسلوا من يحلفه لهم، ونزلوا إلى خدمته واختلط العسكران، وساروا إلى الأهواز، فقرر أبو علي بن إسماعيل أمورها، ثم ساروا إلى رامهرمز فاستولوا عليها وعلى