عديدة من الرجال هي في حاجة إليهم في أراضيها المترامية الأطراف.
وشعر زكي باشا بان حجته لن تقبل فطلب اعفاءه من القيادة فلبت الحكومة التركية طلبه وعينت وزير البحرية احمد جال باشا خلفا له وزودته بصلاحيات واسعة لم تعط لأي قائد في الحرب المذكورة.
وقال جمال باشا في مذكراته:...
وإذ كنت شخصيا موافقا في المبدأ على استعمال اللغة العربية ومنح العرب بعض امتيازات في الشؤون الإدارية أرسلت في طلب عبد الكريم الخليل زعيم الحركة الثورية العربية الذي ورد ذكره في الفصل الأول من هذه المذكرات فغمرته بالبشاشة والاحسان. واجتمعت بواسطته ببعض زعماء الثورة. وبسطت لهم خطة الحكومة واكدت لهم ان تحرير العالم الاسلامي من النير الأجنبي ممكن تحقيقه لو عقد النصر بألويتنا فامنوا جميعا بلا استثناء على أقوالي واقسموا بالله جهد ايمانهم وبشرفهم ان يظل عرب سوريا وفلسطين موالين للحكومة ما دامت الحرب وان لا يقيموا العراقيل في طريقها وان ينفذوا أقوالهم هذه بالفعل.
ثم قال في مكان آخر:...
ثم ركنت إلى حزب الاصلاح ووضعت ثقة كبرى في رجاله بل انني لم أتردد في الذهاب لرؤية مظاهرة وطنية بالقرب من رأس بعلبك وهي محطة منعزلة مع انني لم أكن مصطحبا الا حارسي الخاص وخلوصي بك والي سوريا، وقد رأيت من الضروري الاشتراك في ذاك الاحتفال لأظهر مقدار ما أودعته من الثقة في عبد الكريم الخليل منظم تلك الحفلة.
ثم قال في مكان آخر:...
ولم يقع بعد عودتي من القناة الأولى ما يزعزع ثقتي بالاصلاحيين. وكانت خطتي معهم خطة الصراحة حتى انني طلبت إلى عبد الكريم الخليل والدكتور عبد الرحمن شهبندر ان يزورا الجنود التركية العربية العائدة من القناة ليشهدا بنفسهما حسن حالتهم المعنوية... إلى أن يقول:
وفي مارس سنة 1915 قرأت في الصحف المصرية حملات عنيفة من اللجنة اللامركزية على الحكومة العثمانية فلم أجد مبررا ما لتلك الحملات. فسالت ذات يوم عبد الكريم الخليل إذا كان يعرف السر في ولاء الاصلاحيين في سوريا وبيروت في حين ان رفيق العظم وغيره من الذين يدعون انهم زعماء يختلقون على تركيا الاختلاقات السافلة كذا فحاول مع شئ من الاضطراب ان يرد على سؤالي ولكنه لم يمكنه ذلك لان سؤالي كان مفحما.
ثم زارني بعد بضعة أيام وقال لي انه مستعد للذهاب إلى مصر إذا رغبت في ذلك ليشرح لزعماء اللجنة اللامركزية السياسية التي اتبعها في سوريا واكد لي انه سيواصل السعي لحملهم على تغيير خطتهم...
إلى أن يقول: ولذا رابني اقتراح الذهاب إلى مصر فان إيطاليا كانت قد أعلنت وقت ذاك الحرب علينا فانقطعت بذلك آخر صلة بين الشاطئ السوري وبين العالم الخارجي. ولم أخف عليه ارتيابي من اقتراحه فسألته كيف تستطيع الوصول إلى مصر؟ فأجابني قائلا ساجد وسيلة للوصول إلى هناك. فلما أجابني بهذا قوي شكي إلى درجة اليقين ولكني لم أتظاهر بشئ. انتهى.
وقد شاع عن عبد الكريم الخليل انه كان من جماعة اللا مركزيين. وهذا خطا سببه ان جمال باشا زعم هذا الزعم الكاذب ليبرر جريمته فصدقته الناس... ان عبد الكريم لم ينتسب إلى حزب اللامركزية، ولم تنشأ بينهما علاقة عملية الا بعد انعقاد المؤتمر العربي الأول في باريس 18 23 حزيران 1913 إذ سافر من استنبول مع مدحت شكري السكرتير العام لحزب الاتحاد والترقي المسيطر على السلطنة يومها، سافرا إلى باريس للتوفيق بين جماعة المؤتمر ومعظمهم من اللا مركزيين، والمؤتمر انعقد برعاية حزبهم، وبين الحكومة المركزية.
وقد وفق الخليل إلى اقناع المؤتمرين بوضع الشروط المعروفة للتقريب بين العنصرين الرئيسيين بتعيين الأكفياء من العرب في المناصب في السلطنة وهي تنحصر مبدئيا في الإدارية العالية وتدريس اللغة العربية في الولايات العربية الخ...
و كان جزاء اخلاصه في تلك الأزمة العنيفة التي كانت تهدد السلطنة العثمانية بالشر المستطير، ان رفاقه شباب العرب في الآستانة حملوا عليه في أنديتهم اقسى الحملات وحاكموه... وبعد بضعة عشر شهرا جره الغادر السفاح إلى الشنق!
وقال عجاج نويهض وهو يتحدث عن عبد الستار السندروسي:
الناحية الثانية من هذا البحث تتناول اخبار السندروسي عن عبد الكريم الخليل. وهنا لا بد لي من القول إن ما قيدته من هذه الأخبار يبلغ صفحات عديدة فلا سبيل لي والمجال ضيق هنا، إلى أن أضع هذا كله امام القارئ. ولكني أحب ان أقول إن اخبار الحركة العربية في الآستانة والحواضر العربية وحتى أواخر 1914، تقوم على المحاور التالية:
1 محور الآستانة أو المنتدى الأدبي ودعامته عبد الكريم الخليل وصحبه. وهذه الحركة بلغت ذروتها سنة 1913 والكلام على هذا المحور كأنه على عبد الكريم. وكان عماد الحركة في الآستانة الطلاب العرب في مختلف المعاهد وعددهم يزيد على الألف، والموظفون من مدنيين وعسكريين، وأهل التجارة والوجاهة المقيمون على ضفاف البوسفور.
وبعد ان يتحدث نويهض عن حزب اللامركزية والجمعية الاصلاحية وجمعية العربية الفتاة والمهجر الأمريكي ينتقل إلى الحديث عن عبد الكريم فيقول:
ادعى وصف لعبد الكريم، هو هذا الذي سمعته من السندروسي ودونته عن لسانه:
كان مربوع القامة، حنطي اللون، شارباه قصيرين، ومن عادته من حيث يشعر أو لا يشعر ان تلاعب يده شاربيه، ولا سيما عندما يتكلم، وقد ينتف بعض الشعرات!