وقد دعي إلى تولي القضاء فابى وهرب منه ضنا بعمره ان يصرفه في مثل ذلك وكفى بها رتبة وصرف عمره في الدرس والتدريس ووعظ الناس والتآليف والتصنيف حتى صنف ما يزيد عن 78 كتابا جلها بالعربية.
وتدلنا سيرة المترجم واخباره ومؤلفاته على انتشار اللغة العربية في إيران والعلوم العربية والاسلامية بعد الفتح الاسلامي بانتشار علماء العرب فيها واقبال أهلها على تعلم العلوم العربية بأنواعها وتاليفهم فيها المؤلفات التي فاقت مؤلفات العرب ولا غرو فالعجم أهل الجد والاجتهاد والصبر والثبات وأهل المدنية الخالدة ولكن بلاد إيران اليوم على عكس ما كانت عليه في تلك الاعصار بالنسبة إلى اللغة العربية. وقد ذكره أصحاب أمل الآمل ورياض العلماء والمعالم ومستدركات الوسائل في باب الكنى بعنوان أبي الحسن بن أبي القاسم زيد بن الحسين البيهقي ولم يذكروه في باب الأسماء والظاهر أنهم لم يعثروا على اسمه وذكره باسمه ياقوت في معجم الأدباء.
قال في الرياض في باب الكنى الشيخ أبو الحسن ابن الشيخ أبي القاسم زيد ابن الحسين البيهقي كان من أجلة مشائخ ابن شهرآشوب ومن كبار أصحابنا كما يظهر من بعض المواضع.
وفي معجم الأدباء: ذكره العماد الأصفهاني في كتاب الخريدة ووصفه بالرياسة والشرف قال حدثني والدي انه لما مضى إلى الري عقيب النكبة أصبح ذات يوم وشرف الدين البيهقي قد قصده في موكبه وهو حينئذ والي الري ونقله إلى منزله وتكفل بتسديد خلله وكان حينئذ يترشح لوزارة السلطان وهو كبير الشأن وما زالا بالري مقيمين متوانسين حتى فرق بينهما محتوم البين وذلك سنة 533 قال وأظنه نكب في وقعة السلطان سنجر مع الكفار الخطائية وكان والدي يثني عليه ابدا ويقول إنه ما نظر إلى نظيره ولا مثلت لعينه عين مثله، صنف وشاح الدمية الخ اه وشرف الدين هذا كان صهر المترجم كما سيصرح به المترجم فيما يأتي من أحواله ولا ندري ما وجه اقحام هذه الحكاية في ترجمة المترجم إذ لا تتعلق بها بوجه وقوله:
وأظنه نكب الخ لا يدري انه راجع إلى المترجم أو إلى شرف الدين والظاهر الثاني، إما قوله وكان والدي يثني عليه الخ فالظاهر رجوعه إلى المترجم لقوله في اخره وصنف وشاح الدمية ومصنف الوشاح هو المترجم وأنت ترى ان البعض ذكره وأباه بكنيتيهما مقتصرا عليها وبعض ذكرهما بكنيته وأباه بكنيته واسمه وبعض ذكرهما بالكنية والاسم وبعض ذكر جده الحسين وبعض محمد بن الحسن وهو الصواب.
وفي مستدركات الوسائل: العالم المتبحر أبو الحسن أو الحسين ابن الشيخ أبو القاسم بن الحسين البيهقي الفاضل المتكلم الجليل المعروف بفريد خراسان اه وذكره ياقوت في معجم الأدباء فقال علي بن زيد أبو الحسن بن أبي القاسم البيهقي. وفي معالم العلماء ترجم والده وذكره هو في أثناء ترجمة والده فقال: أبو القاسم زيد بن الحسين ولابنه أبي الحسن فريد خراسان كتب وذكرها كما يأتي وفي بعض نسخ المعالم ولابنه الحسن كتب الخ من دون لفظة أبي، ومنها نسخة عندي مخطوطة إما المطبوعة ففيها ولابنه أبي الحسن، وفي الرياض في بعض نسخ المعالم ولابنه الحسن دون لفظة أبي ولذلك أوردناه في باب الحاء المهملة اه أقول الصواب أبي الحسن ولفظة أبي سقطت من النساخ أو من قلم صاحب المعالم، وذكره في أمل الآمل نقلا عن المعالم بعين عبارتها لم يزد عليها شيئا فقال أبو الحسن بن زيد بن الحسن البيهقي فريد خراسان له كتب وذكرها كما يأتي، قاله ابن شهرآشوب اه.
أحواله واخباره قال فيما حكاه ياقوت عن كتابه مشارب التجارب: مولدي يوم السبت 27 شعبان سنة 499 في قصبة السابزوار من ناحية بيهق وهي بلدة بناها ساسان بن ساسان بن بابك بن ساسان فاسلمني أبي بها إلى الكتاب ثم رحلنا إلى ناحية ششتمد من قرى تلك الناحية ولوالدي بها ضياع فحفظت في عهد الصبى كتاب الهادي للشادي تصنيف الميداني والسامي في الأسامي له والمصادر للقاضي الزوزني وغريب القرآن للعزيزي واصلاح المنطق والمنتحل للميكالي وأشعار المتنبي والحماسة والسبعينات والتلخيص في النحو ثم بعد ذلك حفظت المجمل في اللغة وحضرت في شهور 514 كتاب أبي جعفر المقرئ إما الجامع القديم بنيسابور مصنف كتاب ينابيع اللغة وغير ذلك وحفظت تاج المصادر من تصنيفه وقرأت عليه نحو ابن فضال وفصلا من كتاب المقتصد والامثال لأبي عبيد والامثال للأمير أبي الفضل الميكالي ثم حضرت درس الامام صدر الأفاضل أحمد بن محمد الميداني في المحرم 516 وصححت عليه السامي في الأسامي من تصنيفه والمصادر للقاضي والمنتحل وغريب الحديث لأبي عبيد واصلاح المنطق ومجمع الأمثال من تصنيفه وصحاح اللغة للجوهري وفي أثناء ذلك كنت اختلف إلى الامام إبراهيم الحراز المتكلم واقتبس منه أنوار علوم الكلام والى الإمام محمد الفزاري وسمعت منه غريب الحديث للخطابي وغيرهم ثم مات والدي في سلخ جمادى الآخرة سنة 517 فانتقلت في ذي الحجة سنة 518 إلى مرو فقرأت على تاج القضاة أبي سعيد يحيى بن عبد الملك وعلقت من لفظه كتاب الزكاة والمسائل الخلافية ثم سائر المسائل على غير الترتيب وخضت في المناظرة والمجادلة سنة جردا حتى رضيت عن نفسي فيه ورضي عني أستاذي وكنت اعقد مجلس الوعظ في تلك المدرسة وفي الجامع ثم انصرفت عن مرو في ربيع سنة 521 واشتغلت بمرو بتزويج صدني عن التحصيل صدا وعدت إلى نيسابور ثم عدت إلى مسقط الرأس وزيارة الوالدة ببيهق وأقمت بها ثلاثة أشهر وذلك في سنة 521 ورجعت إلى ناحية سابور ثم رجعت إلى بيهق واتفقت بيني وبين الاجل شهاب الدين محمد بن مسعود المختار والي الري ثم مشرف المملكة مصاهرة وصرت مشدودا بوثائق الأهل والأولاد سنين وفوض إلي قضاء بيهق في جمادى الأولى سنة 526 فبخلت بزماني وعمري على انفاقه في مثل هذه الأمور التي قصاراها ما قال شريح القاضي أصبحت ونصف الناس علي غضبان فضقت ذرعا ولم أجد بدا من الانتقال حتى يتقلص عني ظل ذلك الامر فقصدت كورة الري ليلة العيد من شوال سنة 526 والوالي بها شهاب الدين صهري فتلقاني أكابرها وقضاتها وسائر الاجلاء وأقمت بها إلى 27 من جمادى الأولى سنة 567 وكنت في تلك المدة انظر في الحساب والجبر والمقابلة وطرفا من الاحكام لعله يريد علم الحكمة أو احكام النجوم وصرت في تلك الصناعة مشارا إلي وانتقلت إلى نيسابور في غرة ربيع الآخر سنة 529 وكان علم الحكمة عندي غير نضج وعدت إلى بيهق وفي العين قذى من نقصان الصناعة فرأيت في المنام سنة 530 قائلا يقول عليك بقطب الدين محمد المروزي الملقب بالطبسي النصيري فمضيت إلى سرخس وأقمت عنده وأنفقت ما عندي من الدنانير والدراهم وعالجت جروح الحرص بتلك المراهم وعدت إلى نيسابور في السابع