وحدث الأشعث بن سوار: قال لما نزل طلحة والزبير المربد اتيتهما فوجدتهما مجتمعين، فقلت ناشدتكما الله وصحبة رسول الله ص ما الذي أقدمكما أرضنا هذه؟ فلم يتكلما فأعدت عليهم، فقالا بلغنا أن بأرضكم هذه دنيا فجئنا نطلبها.
طلائع المعركة لما أقبل طلحة والزبير من المربد يريدان عثمان بن حنيف وجداه وأصحابه قد أخذوا بأفواه السكك فمضيا بمن معهما حتى انتهوا إلى موضع الدباغين فاستقبلهم أصحاب ابن حنيف فشجرهم أصحاب عائشة بالرماح فحمل عليهم حكيم بن جبلة فلم يزل هو وأصحابه يقاتلونهم حتى أخرجوهم من السكك ورماهم النساء من فوق البيوت بالحجارة فاخذوا إلى مقبرة مازن فوقفوا بها مليا حتى ثابت إليهم خيلهم، ثم أخذوا على مسناة البصرة حتى انتهوا إلى الرابوقة ثم أتوا سبخة دار الرزق فنزلوها.
مواجهة طلحة واتاهما عبد الله بن حكيم التميمي لما نزلا السبخة بكتب كانا كتباها إليه فقال لطلحة أيا أبا محمد إما هذه كتبك إلينا؟! قال: بلى، قال فكتبت أمس تدعونا إلى خلع عثمان وقتله حتى إذا قتلته أتيتنا ثائرا بدمه!!
فلعمري ما هذا رأيك، لا تريد الا هذه الدنيا، مهلا إذا كان هذا رأيك فلم قبلت من علي ما عرض عليك من البيعة فبايعته طائعا ماضيا، ثم نكثت بيعتك، ثم جئت لتدخلنا في فتنتك. فقال إن عليا دعاني إلى بيعته بعد ما بايع الناس، فعلمت لو لم اقبل ما عرضه علي لم يتح لي، ثم يغري بي من معه.
ابن حنيف يعظهما وفي الصباح من غد صفا للحرب وخرج عثمان بن حنيف إليهما في أصحابه فناشدهما الله والاسلام وأذكرهما بيعتهما لعلي فقالا لا نطلب بدم عثمان، فقال لهما، وما أنتما وذاك، أين بنوه، أي بنو عمه الذين هم أحق به منكم، كلا والله، ولكنكما حسدتماه حيث اجتمع الناس عليه، وكنتما ترجوان هذا الأمر وتعملان له، وهل كان أحد أشد على عثمان قولا منكما! فشتماه شتما قبيحا وذكرا أمه. فقال للزبير: أما والله لولا صفية ومكانها من رسول الله، فإنها أدنتك إلى الظل، وإن الأمر بيني وبينك يا ابن الصعبة يعني طلحة أعظم من القول لأعلمتكما من أمركما ما يسؤوكما. اللهم إني قد أعذرت إلى هذين الرجلين.
الهدنة واقتتل الناس قتالا شديدا، ثم تحاجزوا واصطلحوا على أن يكتب بينهم كتاب صلح فكتب:
هذا ما اصطلح عليه عثمان بن حنيف الأنصاري ومن معه من المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وطلحة والزبير ومن معهما من المؤمنين والمسلمين من شيعتهما: إن لعثمان بن حنيف دار الامارة والرحبة والمسجد وبيت المال والمنبر. وإن لطلحة والزبير ومن معهما أن ينزلوا حيث شاؤوا من البصرة ولا يضار بعضهم بعضا في طريق ولا فرضة ولا سوق ولا شرعة ولا مرفق حتى يقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فان أحبوا دخلوا فيما دخلت فيه الأمة وإن أصبوا لحق كل قوم بهواهم وما أحبوا من قتال أو سلم أو خروج أو إقامة. وعلى الفريقين بما كتبوا عهد الله وميثاقه وأشد ما أخذه على نبي من أنبيائه من عهد وذمة.
وختم الكتاب. ورجع عثمان بن حنيف حتى دخل دار الامارة، وقال لأصحابه: إلحقوا رحمكم الله بأهلكم وضعوا سلاحكم وداووا جراحكم فمكثوا كذلك.
الغدر ثم أن طلحة والزبير قالا: إن قدم علي ونحن على هذا الحال من القلة والضعف ليأخذن بأعناقنا، فاجمعا على مراسلة القبائل واستمالة العرب. فارسلا إلى وجوه الناس وأهل الرئاسة والترف يدعوانهم إلى الطلب بدم عثمان وخلع علي وإخراج ابن حنيف من البصرة فبايعهم على ذلك الأزد وضبة وقيس بن غيلان كلها إلا الرجل والرجلين من القبيلة كرهوا أمرهم فتواروا عنهم. وأرسلوا إلى هلال بن وكيع التميمي فلم يأتهم فجاءه طلحة والزبير إلى داره فتوارى عنهما، فقالت له أمه: ما رأيت مثلك، أتاك شيخا قريش فتواريت عنهما، فلم نزل حتى ظهر لهما وبايعهما ومعه بنو عمرو بن تميم كلهم وبنو حنظلة إلا بني يربوع فان عامتهم كانوا شيعة لعلي ع. وبايعهم بنو دارم كلهم إلا نفرا من بني مجاشع ذوي دين وفضل.
فلما استوثق لطلحة والزبير أمرهما خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر ومعهما أصحابهما قد ألبسوهم الدروع وظاهروا فوقها بالثياب فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه، وأقيمت الصلاة، فتقدم عثمان ليصلي بهم فاخره أصحاب طلحة والزبير، وقدموا الزبير، فجاءت السيابجة وهم الشرط حرس بيت المال فاخرجوا الزبير وقدموا عثمان فغلبهم أصحاب الزبير فقدموا الزبير وأخروا عثمان، فلم يزالوا كذلك حتى كادت الشمس أن تطلع. وصاح بهم أهل المسجد: أ لا تتقون أصحاب محمد وقد طلعت الشمس. وغلب الزبير فصلى بالناس فلما انصرف من صلاته، صاح بأصحابه أن يأخذوا عثمان بن حنيف، فأخذوه بعد أن تضارب هو ومروان بن الحاكم بسيفيهما.
فلما أسر ضربوه ضرب الموت ونتفوا حاجبيه وأشفار عينيه وكل شعرة في رأسه ووجهه. وأخذوا السيابجة وهم سبعون رجلا فانطلقوا بهم وبعثمان بن حنيف إلى عائشة.
فقالت عائشة لابان بن عثمان بن عفان: اخرج إليه فاضرب عنقه فان الأنصار قتلت أباك وأعانت على قتله. فنادى عثمان بن حنيف: يا عائشة ويا طلحة ويا زبير: إن أخي سهل بن حنيف خليفة علي بن أبي طالب على المدينة، وأقسم بالله إن قتلتموني ليضعن السيف في بني أبيكم وأهليكم ورهطكم فلا يبقى أحد منكم. فكفوا عنه وخافوا أن يقع سهل بن حنيف بعيالاتهم وأهلهم بالمدينة فتركوه.
عائشة تأمر بالمذبحة وأرسلت عائشة إلى الزبير أن اقتل السيابجة فإنه قد بلغني الذي