بسكرة واقتحمها عليه ونجا ابن غانية وجمع أوباشا من العرب والبربر واتبعه السيد أبو زيد في الموحدين وقبائل هوارة وتزاحفوا بظاهر تونس سنة احدى وعشرين فانهزم ابن غانية وجموعه وقتل كثير من الملثمين وامتلأت أيدي الموحدين من الغنائم وكان طرأ له يومئذ حماس من بعد ما سعى في هذا الزحف أثر مذكور وبلاء حسن وبلغ السيد أبا زيد إثر هذه الوقيعة خبر مهلك أبيه بتونس فانكف راجعا وأعيد بنو أبى حفص إلى مكان أبيهم الشيخ أبى محمد بن أثال بإفريقية واستقل الأمير أبو زكريا منهم بأمرها واقتلعها عن ملكه إلى عبد المؤمن وتناولها من يد أخيه أبى محمد عبد وهذا الأمير أبو زكريا هو جد الخلفاء الحفصيين وماهد أمرهم بإفريقية فأحسن دفاع ابن غانية عنها وشرده في أقطارها ورفع يده شيئا فشيئا عن النيل من أهلها ورواياها ولم يزل شريدا مع العرب بالقفار فبلغ سجلماسة من أقصى المغرب والعقبة الكبرى من تخوم الديار المصرية واستولى على ابن مذكور صاحب السريقة من تخوم برقة وأوقع بمغراوة لواجد ماهولجة ومليانة وقتل أميرهم منديل بن عبد الرحمن وصلب شلوه بسور الجزائر وكان يستخدم الجند فإذا سئموا الخدمة تركهم لسبيلهم إلى أن هلك لخمسين سنة من امارته سنة احدى وثلاثين وقيل ثلاث وثلاثين ودفن وعفى أثر مدفنه يقال بوادي الرجوان قتله الاريس ونقل بجهة مليانة من وادى شلف ويقال بصحراء باديس ومديد من بلاد الزاب وانقرض أمر الملثمين من مسوقة ولمتونة ومن جميع بلاد إفريقية والمغرب والأندلس بمهلكه وذهب ملك صنهاجة من الأرض بذهاب ملكه وانقطاع أمره وقد خلف بنات بعثهن زعموا إلى الأمير أبى زكريا لعهده بذلك إلى علجه جابر فوضعن في يده وبلغه وفاة أبيهن وحسن ظنه في كفالته إياهن فأحسن الأمير أبو زكريا كفالتهن وبنى لهن بحضرته دارا لصونهن معروفة لهذا العهد بقصر البنات وأقمن تحت حراسته وفى سعة من رزقه موصولات لوصاة أبيهن بذلك منهن وحفظهن لوصاته ولقد يقال ان ابن عم لهن خطب إحداهن فبعث إليها الأمير أبو زكريا فقال لها هذا ابن عمك وأحق بك فقالت لو كان ابن عمنا ما كفلنا الأجانب إلى أن هلكن عوانس بعد أن متعن من العمر بحظ (أخبرني والدي رحمه الله) أنه أدرك واحدة منهن أيام حياته في سنى العشر والسبعمائة تناهز التسعين من السنين (قال) ولقيتها وكانت من أشرف النساء نفسا وأسراهن خلقا وأزكاهن حالا والله وارث الأرض ومن عليها ومضى هؤلاء الملثمون وقبائلهم لهذا العهد بمجالاتهم من جواز السواد ان حجزا بينهم وبين الرمال التي هي تخوم بلاد البربر من المقدس وإفريقية وهم لهذا العهد متصلون من ساحل البحر المحيط في المغرب إلى ساحل النيل بالمشرق وهلك
(١٩٧)