الأقصى السلطان أبا عبد الله قد خالفهم إلى قسنطينة بمداخلة أبى محمد بن تافراكين واستجاشته ونازل جهات قسنطينة وانتهب زروعها وشن الغارات عليها وفى بسائطها فبلغهم أنه رجع إلى بجاية منكمشا من زحف بنى مرين واعتزم الأمير أبو زيد على مبادرة ثغره ودار امارته يعنى قسنطينة ورغب إليه أبو العباس بن مكي وأولاد مهلهل أن يخلف بينهم من إخوانه من يجتمعون إليه ويزاحفون به فولى عليهم أخاه العباس فبايعوه وأقام فيهم هو وشقيقه أبو يحيى زكريا إلى أن كان من شأنه ما نذكر وانصرف الأمير أبو زيد عند ذلك من قفصة يغذ السير إلى قسنطينة واحتل بها في جمادى من سنته والله تعالى أعلم {الخبر عن وفادة صاحب بجاية على أبي عنان واستيلائه عليه وعلى بلده ومطلبه قسنطينة} كان بين الأمير أبى عبد الله صاحب بجاية وبين الأمير أبى عنان أيام امارته بتلمسان ونزول الأعياص الحفصيين بندرومة ووجدة أيام أبيه كما ذكرناه اتصال ومخالصة أحكمها بينهما نشب الشباب والملك وسابقة الصهر فكان الأمير أبو عبد الله من أجل ذلك صاغية إلى بنى مرين أوجد بها السبيل على ملكه ولما مر السلطان أبو الحسن في أسطوله عند ارتحاله من تونس كما قدمناه أمر أهل سواحله بمنعه الماء والأقوات من سائر جهاتها رعيا للذمة التي اعتقدها مع الأمير أبى عنان في شأنه وجنوحا إلى تشييع سلطانه ولما أوقع السلطان أبو عنان ببني عبد الواد سنة ثلاث وخمسين واستولى على المغرب الأوسط ونجا فلهم إلى بجاية أوعز إلى الأمير أبى عبد الله باعتراضهم في جهاته والتقبض عليهم فأجابه إلى ذلك وبعث العيون بالمراصد في ضواحي بجاية على محمد ابن سلطانهم أبى سعيد عثمان بن عبد الرحمن وعلى أخيه أبى ثابت الزعيم بن عبد الرحمن وعلى وزيرهم يحيى بن داود بن سليمان فأوثقوهم اعتقالا وبعث بهم إلى السلطان أبى عنان ثم جاء على اثرهم فتلقاه بالقبول والتكرمة وأنزله بأحسن نزل ثم دس إليه من أغراه بالنزول له عن بجاية رغبة فيما عند السلطان إزاء ذلك من التجلة والإدالة عنها بمكناسة المغرب والراحلة من زبون الجند والبطانة واخفافا مما سواه إن لم يعتمده فأجاب إليه على اليأس والكره وشهد مجلس السلطان والملا من بنى مرين بالرغبة في ذلك فأسعف وأنيفت جائزته واقتطعت له مكناسة من أعمال المغرب ثم انتزعها لأيام قلائل ونقله في جملته إلى المغرب وبعث الأمير أبو عنان مولاه فارحا المستبد عليه ليأتيه بأهله وولده وعقد أبو عنان على بجاية لعمر بن علي ابن الوزير من بنى واطاس وهم ينتسبون بزعمهم إلى علي بن يوسف أمير لمتونة فاختصه أبو عنان بولايتها لمتانة هذا النسب
(٣٦٦)