أولياءه وسرب فيهم عطاء ونزل على قابس وقد استعد لها وجمع الآلات لحصارها فاكتسح نواحيها وجثم عليها بعساكره يقاتلها ويقطع نخيلها حتى أعاد الكثير من ألفافها براحا وموج الهوى في ساحته فصح إذ كانوا يستوخمونه لاختفائه بين الشجر في مكاثف الطلال وما يلحقه في ذلك من التعفن فذهب عنها ما كان يعهد فيها من ذلك الوخم رحمة من الله أصابتهم من عذاب هذا السلطان * وربما صحت الأجسام بالعلل * ولما اشتد بهم الحصار وضاق المخنق وظن ابن مكي أنه قد أحيط به استعتب للسلطان واستأمن فأعتبه وأمنه ورهن ابنه على الطاعة وايتاء الضريبة وأفرج عنه السلطان وانكفأ راجعا إلى تونس واستقام ابن مكي حتى كان من تغلب عمه يحيى عليه ما نذكره * (رجوع المنتصر إلى ولايته بتوزر وولاية أخيه زكريا على نفطة ونفزاوة) * كان العرب أيام ولاية المنتصر بتوزر قد حمدوا سيرته وأصفقوا على محبته والتشيع له فلما رجع السلطان على قابس وقفوا إليه في طريقه إلى أن تولى المنتصر على بلاد الجريد كما كان ورده إلى عمله بتوزر وتولى ذلك بنو مهلهل وأركبوا نساءهم الظعن في الهوادج واعترضوا بهن السلطان سافرات مولولات دخلاء عليه في إعادة المنتصر إلى توزر مما لهم فيه من المصالح فقبل السلطان وسيلتهن وأعاده إلى توزر ونقل ابنه زكريا إلى نفطة وأضاف إليها عمل نفزاوة فسار إليها واستعمل بعمله وأظهر من الكفاية والاضطلاع ما تحدث به الناس عنه وكان ولايته أول سنة تسعين {فتنة الأمير إبراهيم صاحب قسنطينة مع الزواودة ووفاة يعقوب بن علي ثم وفاة الأمير إبراهيم مثلها} كان للزواودة بقسنطينة عطاء معلوم مرتب على مراتبهم زيادة لما بأيديهم من البلاد في التلول والزاب بانقطاع السلطان وضاق نطاق الدولة لهذه العصور فضاقت الجباية وصارت العرب يزرعون الأراضي في بلادهم بالمسيل ولا يحتسبون بمغارمها فضيق الدخل يمنعهم العطاء من أجل ذلك فتفسد طاعتهم وتنطلق بالعيث والنهب أيديهم ولما رجع الأمير إبراهيم من حركته في ركاب أبيه إلى قابس وكان منذ أعوام بنقص من عطائهم لذلك ويعللهم بالمواعيد فلما قفل من قابس اجتمعوا إليه وطلبوا منه عطاءهم فتعالى عليهم وجاءه ابن علي مرجعه من الحج وأشار عليه بانصاف العرب من مطالبهم فأعرض عنه وارتحل لبعض مذاهبه وتركه ونادى في العرب بالفتنة معه يروم استئلاف أعدائه فأجابه الكثير من أولاد سباع بن سبيل وأولاد سباع بن يحيى
(٣٩٨)