* (الخبر عن دولة السلطان أبى عصيدة وما كان على أثرها من الأحوال) * لما هلك السلطان أبو حفص اجتمع الملا من الموحدين والأولياء والجند والكافة إلى القصبة فبايعوا بيعة عامة لولى عهده السلطان أبى عبد الله محمد ويلقب كما ذكرناه بأبي عصيدة ابن السلطان الواثق في الرابع والعشرين لذي الحجة سنة أربع وتسعين فانشرحت ببيعته الصدور ورضيته الكافة وتلقب المستنصر بالله وافتتح أمره بقتل عبد الله ابن السلطان أبى حفص لمكان ترشيحه وقلد وزارته محمد بن يرزيكش من مشيخة الموحدين وأبقى محمدا الشخشى على خطة الحجابة وصرف التدبير والعساكر ورياسة الموحدين إلى أبي يحيى زكريا بن أحمد بن محمد اللحياني فقام بما دفع إليه من ذلك وضايقه فيه عبد الحق بن سليمان رئيس الموحدين قبله حتى إذا نكب وهلك استبد هو على الدولة واستقل الشخشى بحجابته وكان محمد بن إبراهيم بن الدباغ رديفا له فيها وكان من خبر ابن الدباغ هذا ان إبراهيم أبا ه وفد على تونس في جالية إشبيلية سنة ست وأربعين فولد هو بتونس ونشأ بها واستفاد صناعة الديوان وحسبانه من المبرزين فيه كأبى الحسن وأبى الحكم بن مجاهد وأصهر إليهما في ابنة أبى الحسن فأنكحاه ورشحاه للأمانة على ديوان الاعمال ولما استقل أبو عبد الله الفازازى بالرياسة استكتبه وكان طياشا مستعصيا على الخليفة فكان كاتبه محمد بن الدباغ يروضه لأغراض الخليفة إذ دسها إليه الحاجب ابن الشيخ فيقع ذلك من الخليفة أحسن الموقع ولما ولى السلطان أبو عصيدة وكانت له عنوة سابقة رعاها وكان حاجبه الشخشى بهمة غفلا عن أدوات الكتاب فاستكتب السلطان ابن الدباغ ثم رقاه إلى كتابة علامته سنة خمس وتسعين وكان يتصرف فيها فأصبح رديفا للشخشى في حجابته وجرت أمور الدولة على ذلك إلى أن هلك الشخشى سنة تسع وتسعين فقلده السلطان حجابته فاستقل بها على ما قدمناه من أن التدبير والحرب مصروف إلى مشيخة الموحدين * (الخبر عن نكبة عبد الحق بن سليمان وخبر بنيه من بعده) * كان أبو محمد عبد الحق بن سليمان رئيس الموحدين لعهد السلطان أبى حفص وأصله من تينملل الموطنين بتيرس مذ أول الدولة كانت له ولسلفه الرياسة عليهم وصارت إليه رياسة الموحدين كافة بالحضرة أيام هذا السلطان وكان له خالصة وشيعة وكان حريصا على ولاية ابنه عبد الله للعهد وكان يدافع نكير الموحدين في ذلك فأسره بماله السلطان أبو عصيدة ولما استوثق له الامر وقتل عبد الله بمحبسه تقبض على أبي محمد محمد بن سليمان واعتقله في صفر سنة خمس وتسعين ولم يزل معتقلا إلى أن قتل بمحبسه على رأس المائة وفر عند نكبته ابناه محمد وعبد الله فأما عبد الله فلحق بالأمير أبى زكريا وصار
(٣١٢)