وباديتهم من ذوبان ورياح وخرج يعقوب من التل فنزل على نقاوس فأقام بها وانطلقت أيدي قومه على تلول قسنطينة بالنهب وانتساف الزرع حتى اكتسحوا عامتها ولحقوا به مالئي اليد مثقلي الظهر ثم طرقه المرض فهلك سنة تسعين ونقلوا شلوه إلى بسكرة فدفنوه بها وقام مكانه في قومه ابنه محمد واستمر على العصيان وصعد إلى التل في منتصف احدى وتسعين واستألف الأمير إبراهيم أعداءه من الزواودة وزحف إليه أبو ستة بن عمر أخو يعقوب بن علي بما معه من أولاد عائشة أم عمر وخالفه أخوه صميت إلى محمد بن يعقوب وتحاربوا مع الأمير إبراهيم فهزموه وقتل أبو ستة ثم جمع السلطان لحربهم ودفع عن التلول ومنعهم من المصيف عامهم ذلك وانحدروا إلى مشاتيهم وعجزوا بعدها عن الصعود إلى التلول وقضوا مصيفهم عامهم ذلك بالزاب وانحدروا منه إلى المشاتي فلما رجعوا من مشاتيهم وقد فقدوا الميرة انطلقت أيديهم على نواحي الزاب فانتسفوا زروعه وكاد أن يفسد ما بينهم وبين ابن مزنى مظاهرهم على تلك الفتنة ثم ارتحلوا صاعدين إلى التلول وقد جمع الأمير إبراهيم لدفاعهم عنه وبينما هو في ذلك ألم به طائف من المرض فتوفى سنة ثنتين وتسعين وافترقت جموعه وأغذ محمد بن يعقوب السير إلى نواحي قسنطينة فاحتل بها مظهرا للطاعة متبرئا من الخلاف ونادى في أهل البلاد بالأمان والامارة فصلحت أحوال الرعايا والسابلة وبعثوا إلى السلطان بتونس مستأمنين مستعتبين فأمنهم وأعتبهم وأقام بقسنطينة مكان إبراهيم ابنه وبعث من حضرته محمد ابن مولاه بشير لكفالته والقيام بدولته فقام بأمرها وصلحت الأحوال والله بيده تصاريف الأمور * (منازلة نصارى الإفرنج المهدية) * كانت أمة الفرنج وراء البحر الرومي في الشمال قد صار لهم تغلب ودولة بعد انقراض دولة الروم فملكوا جزائره وسردانية وميورقة وصقلية وملأت أساطيلهم فضاءه وتخطوا إلى سواحل الشأم وبيت المقدس فملكوها وعادت لهم سورة الغلب في هذا البحر بعد أن كانت سورة المسلمين فيه لا تقاوم إلى آخر دولة الموحدين بكثرة أساطيله ومراكبه فغلبهم الفرنج وعادت السورة لهم وزاحتهم أساطيل المغرب أياما ثم فشل ريح الفرنجة واختل مركز دولتهم بافرنسة وافترقت طوائف في أهل برشلونة وجنوة والبنادقة وغيرهم من أمم الفرنجة النصرانية وأصبحوا دولا متعددة فتمت عزائم كثيرة من المسلمين بسواحل إفريقية لغزو بلادهم وشرع في ذلك أهل بجاية منذ ثلاثين سنة فيجتمع النفير والطائفة من غزاة البحر ويصطنعون الأسطول ويتخيرون له أبطال الرجال ثم يركبونه إلى سواحل الفرنجة وجزائرهم على حين غفلة
(٣٩٩)