كان ينتقض على صاحب الحضرة فيجلب عليها من سوسة ويشن الغارات في نواحيها حتى لقد أوقع في بعض أيامه بمنصور سريحة مولى السلطان أبى اسحق وقائد عسكره فتقبض عليه واعتقله بسوسة أياما ثم من عليه وأطلقه وعاود الطاعة معه ولم يزل هذا دأبهم وكانت لهم في الرعايا آثار قبيحة وملكات سيئة ولم يزالوا يضرعون إلى الله في انقاذهم من أيدي جورهم وعسفهم إلى أن تأذن الله لأهل إفريقية وهبت ريح العز على المغرب في جميع النواحي فتنكر أهل سوسة لعاملهم أبى صعنونة هذا وأحس بتنكراتهم فخرج عنهم وتجافى للسلطان على البلد وثارت عامتها بعماله وجهضوهم ونزل عمال السلطان بها ثم كانت من بعد ذلك حركة المولى أبى يحيى إلى نواحي طرابلس ودوخ جهاتها واستوفى جباية أعمالها وكان بالمهدية محمد بن الجكجاك استعمله عليها الحاجب أبو محمد بن تافراكين أيام ارتجاعه إياها من أيدي أبى العباس بن مكي والأمير أبى يحيى زكريا المنتزى بها ابن مولانا السلطان أبى بكر كما مر وأقام ابن الجكجاك أميرا عليها بعد موت الحاجب فلما وخزته شوكة الاستطالة من الدولة وطلع نحوه قتام العساكر فرق من الاستيلاء عليه وركب أسطوله إلى طرابلس ونزل على صاحبها أبى بكر بن ثابت لذمة صهر قديم كان بينهما وبادر مولانا السلطان إلى تسليم المهدية وبعث عليها عماله وانتظمت في ملكيته واطردت أحوال الظهور والنجح وكان بعد ذلك ما نذكر ان شاء الله تعالى * (الخبر عن فتح جربة وانتظامها في ملك السلطان) * كان محمد بن أبي القاسم بن أبي العيون منذ ولاه أبو عبد الله محمد بن تافراكين على هذه الجزيرة قد تقبل مذاهب جيرانها من أهل قابس وطرابلس وسائر الجريد في الامتناع على السلطان ومصارفة الاستبداد وانتحاله مذاهب الامارة وطرقها ولبوس شؤنها وقد ذكرنا سلفه من قبل وان والده كان صاحب الاشغال بالحضرة أيام الحاجب أبى محمد تافراكين وانه اعتلق بكتابة ابنه أبى عبد الله مولاه على جربة عند افتتاحه إياها سنة وأنه قصده عند مفره عن المولى أبى اسحق لينزل جربة معولا على قديم اصطناعه إياه فمنعه ثم داخل شيوخ الجزيرة من بنى في الامتناع على السلطان والاستبداد بأمرهم فأجابوه وأقام ممتنعا سائر دولة مولانا السلطان وابنه من بعده ولما استولى مولانا السلطان أبو العباس على تونس داخله الروع والوحشة وصار إلى مكاثرة رؤساء الجريد في التظافر على المدافعة بزعمهم فأجرى في ذلك شأوا بعيدا مع تخلفه في مضماره بقديمه وحديثه وصارف السلطان سوء الامتثال واتيان الطاعة ومنع الخيانة فاحفظ ذلك ولما افتتح أمصار الساحل
(٣٨٥)