وصحبهم هنا لك فأجفلوا وتركوا الظهر والكراع والأبنية فامتلأت أيدي وسدريكش منها ونجوا بالعيال والولد على الأقتاب والعساكر في اتباعهم إلى أن أجازوا وادى شدى قبلة الزاب وهو الوادي الذي يخرج أصله من جبل راشد قبلة المغرب الأوسط ويمر إلى ناحية الشرق مجتازا بالزاب إلى أن يصب في سبخة نفزاوة من بلاد الجريد فلما جاز فلهم الوادي أصحروا إلى المفازة المعطشة والأرض الحرة السوداء المستحجرة المسماة بالحمادة فرجعت العساكر عنهم وانقلب السلطان من غزاته ظافرا ظاهرا وأنشده الشعراء في التهنئة ولحق فل الزواودة بملوك زناتة فنزل بنو يحيى بن دريد على يغمراسن بن زيان وبنو محمد بن مسعود على يعقوب بن عبد الحق فأجازوهم وأوسعوهم حباء وملؤا أيديهم بالصلات ومرابطهم بالخيل وأحياءهم بالإبل ورجعوا إلى مواطنهم فتغلبوا على واركلة وقصور ريغة واقتطعوها من إيالة السلطان ثم انحرفوا إلى الزاب فجمع لهم عامله ابن عتو وكان موطنا بمقرة ولقيهم على حدود ارض الزاب فهزموه واتبعوه إلى بطاوة فقتلوه عندها واستطالوا على الزاب وجبل أوراس وبلاد الحصنة إلى أن اقتطعتهم الدول إياها من بعد ذلك فصارت ملكا لهم والله تعالى أعلم * (الخبر عن طاغية الإفرنجة ومنازلته تونس في أهل نصرانيته) * هذه الأمة المعروفة بالإفرنجة وتسميها العامة بالافرانسيس نسبة إلى بلد من أمهات أعمالهم تسمى إفرانسة ونسبهم إلى يافث بن نوح وهم بالعدوة الشمالية من عدوتي هذا البحر الرومي الغربي ما بين جزيرة الأندلس وخليج القسنطينة مجاورون الروم من جانب الشرق والجلالقة من جانب الغرب وكانوا قد أخذوا بدين النصرانية مع الروم ومنهم لقنوا دينها واستفحل ملكهم عند تراجع ملك الروم وأجازوا البحر إلى إفريقية مع الروم فملكوها ونزلوا أمصارها العظيمة مثل سبيطلة وجلولا وقرطاجنة ومرناق وباغاية ولمس وغيرها من الأمصار وغلبوا على من كان بها من البربر حتى اتبعوهم في دينهم وأعطوهم طاعة الانقياد ثم جاء الاسلام وكان الفتح بانتزاع الاعراب من أيديهم سائر أمصار إفريقية والعدوة الشرقية والجزر البحرية مثل اقريطش ومالطة وصقلية وميورقة ورجوعهم إلى عدوتهم ثم أجازوا خليج طنجة وغلبوا القوط والجلالقة والبشكنس وملكوا جزيرة الأندلس وخرجوا من ثناياها ودورها إلى بسائط هؤلاء الإفرنجة فدوخها وعاثوا فيها ولم تزل الصوائف تتردد إليها صدرا من دولة بنى أمية بالأندلس وكان ولاة إفريقية من الأغالبة ومن قبلهم أيضا يرددون عساكر المسلمين وأساطيلهم من العدوة حتى غلبوهم على الجزر البحرية ونازلوهم في بسائط عدوتهم فلم تزل في نفوسهم من ذلك ضغائن فكان يخالجها الطمع في ارتجاع ما غلبوا عليه منها وكان الربع أقرب
(٢٩٠)