على منبر متجلدا ثم دخل بيته وهلك لليلته تلك رضوان الله عليه وكان شأن هذا السلطان في ملوك آل حفص عظيما وشهرته طائرة الذكر بما انفسح من أمر سلطانه ومدت إليه ثغور القاصية من العدوتين يد الاعتصام به وما اجتمع بحضرته من أعلام الناس الوافدين على ابنه وخصوصا الأندلس من شاعر مفلق وكاتب بليغ وعالم نحرير وملك أورع وشجاع أهيش متفيئين ظل ملكة متناغين في البادية لطموس معالم الخلافة شرقا وغربا على عهده وخفوق صوت الملك الا في إيوانه فقد كان الطاغية التهم قواعد الملك بشرق الأندلس وغربها فأخذت قرطبة سنة ثلاث وثلاثين وبلنسية سنة ست بعدها وإشبيلية سنة ست وأربعين واستولى على بعداد دار خلافة العرب بالمشرق وحاضرة الاسلام سنة ست وخمسين وانتزع بنو مرين ملك بنى عبد المؤمن واشتملوا على حضرة مراكش دار خلافة الموحدين سنة ثمان وستين كل ذلك على عهده وعهد أبيه ودولتهم أشد ما كانت قوة وأعظم رفاهية وجباية وأوفر قبيلا وعصابة وأكثر عساكر وجندا فأمله أهل العلم للكرة وأجفلوا إلى الامساك بحقويه وكان له في الأبهة والجلال أخبار وفى الحروب والفتوح آثار مشهودة وفى أيامه عظمت حضارة تونس وكثر ترف ساكنها وتأنق الناس في المراكب والملابس والمباني والماعون والآنية فاستجادوها وتناغوا في اتخاذها وافشائها إلى أن بلغت غايتها ثم رجعت من بعده ادراجها والله مالك الأمور ومصرفها كيف يشاء * (الخبر عن بيعة الواثق يحيى بن المستنصر وهو المشهور بالمخلوع وذكر أحواله) * لما هلك السلطان المستنصر سنة خمس وسبعين كما قدمناه اجتمع الموحدون وسائر الناس على طبقاتهم إلى ابنه يحيى فبايعوه ليلة مهلك أبيه وفى غدها وتلقب الواثق وافتتح أمره برفع المظالم وتسريح أهل السجون وإفاضة العطاء في الجند وأهل الديوان واصلاح المساجد وإزالة كثير من الوظائف عن الناس وامتدحه الشعراء فأسنى جوائزهم وأطلق عيسى بن داود من اعتقاله ورده إلى حاله وكان المتولي لاخذ البيعة عن الناس والقائم بأمره سعيد بن يوسف بن أبي الحسين لمكانه من الدولة ورسوخه في الشهرة فقام بالأمر ولم يزل على ذلك إلى أن نكبه وأدال منه بالخير والله أعلم هذا الرجل اسمه يحيى بن عبد الملك الغافقي وكنيته أبو الحسن أندلسيا من أعمال مرسية وفد مع الجالية من شرق الأندلس أيام استيلاء العدو وكان يحسن الكتابة ولم يكن له من الخلال سواها فصرف في الاعمال ثم ارتقى إلى خدمة أبى الحسن فاستكتبه ثم رقاه إلى ولاية الديوان فعظمت حالته وكانت له أثناء ذلك مداخلة للواثق ابن السلطان واعتدها
(٢٩٦)