قد قدمنا ما كان من انتفاض الجزائر على الأمير أبى زكريا واستبداد ابن علان بها فلما استولى السلطان أبو البقاء على الامر وتمهدت له الأحوال وأقلع بنو مرين بعد مهلك يوسف بن يعقوب عن تلمسان أعمل السلطان نظره في الحركة إليها فخرج إليهم سنة سبع أو ست وانتهى إلى منيجة ودخل في طاعته منصور بن محمد شيخ ملكين وجمع قومه ولجأ إليه راشد بن محمد بن ثابت بن منديل أمير مغراوة هاربا امام بنى عبد الواد فآواه إلى ظله وألقى عليه جناح حمايته واحتشد جميع من في تلك النواحي من القبائل وزحف إلى الجزائر وأقام عليها أياما فامتنعت عليه وانكفأ راجعا إلى حضرته ببجاية ومطاولته الجزائر بالقتال إلى أن كان من أمرها وتغلب بنو عبد الواد عليها كما نذكره في أخبارهم وجاء معه راشد بن محمد إلى بجاية متذمما لخدمته إلى أن قتله عبد الرحمن بن خلوف كما يذكر في موضعه ان شاء الله تعالى * (الخبر عن السلف وشروطه بين صاحب تونس وصاحب بجاية) * لما افتتح السلطان أبو البقاء خالد قسنطينة وقتل ابن الأمير وفرغ من ذلك الشأن أدرك أهل الحضرة الندم على ما استدبر وأمن مهادنة صاحب الثغر وقارن ذلك مهلك يوسف ابن يعقوب الذي كانوا يرجونه شاغلا له فجنحوا إلى السلم وبعثوا وفدهم في ذلك إليه فأسدوا وألحموا وشرط عليهم السلطان أبو البقا ان من هلك منهما قبل صاحبه فالامر من بعده للآخر والبيعة له فتقرر الشرط وحضر الملا والمشيخة من الموحدين ببجاية ثم بتونس فأشهدوا به على أنفسهم وربط ذلك العهد وأحكمت أو أخيه إلى أن نقضها أهل الحضرة عند مهلك السلطان أبى عصيدة كما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن سفر شيخ الدولة بتونس ابن اللحياني لحصار جربة ومضيه منها إلى الحج) * لما انعقد أمر هذا الصلح واستتم راجع رئيس الدولة أبو يحيى زكريا بن اللحياني نظره لنفسه وأعمل فكره في الخلاص ممن استوطنه وكان يؤمل رجوع الوفد المقربين بالهدية من أمراء الديار المصرية إلى يوسف بن يعقوب فيصحبهم لقضاء فرضه وأبطأ عليه شأنهم فاعتزم على قصده وورى بحركة آل جزيرة جربة لاسترجاعها من أيدي النصارى والرجوع عنها ففر بعد ذلك إلى الجريد لتمهيد أحواله وتناول الرأي في الظاهر من أمره مع السلطان فأذن له وسرح معه العساكر فخرج من تونس في جمادى سنة ست غازيا آل جربة ولم يزل يغذ السير حتى انتهى إلى محازها ثم عبر عنه إلى الجزيرة وكانت النصارى لما تغلبوا عليها سنة ثمان وثمانين شيدوا بها حصنا لاعتصام الحامية سموه بالقشتيل فنزلت العساكر عليه وأبعد الشيخ أبو يحيى عماله ببجاية وأقام في منازلته
(٣١٩)