الموحدين والعيث فيها ومجاذبة حبلها وأقطعهم أبو تاشفين بلاد المسيلة وجبال مشنان ووانوغة وجبل عياض فأصاروها من أعماله فلما شرد السلطان عساكرهم عن بجاية وهدم ثغرهم عليها واسترجع أعمال بجاية إليها سار بجموعه إلى هذا الوطن ليسترجع أعماله ويجدد به دعوته وزاد في اغرائه بذلك على ابن أحمد كبير أولاد محمد لقتال أولاد سباع هؤلاء ونظرائهم وأهل أوتارهم ودخولهم فارتحل غازيا إلى المسيلة حتى نزلها واصطلم نعمها وخرب أسوارها وبلغه بمكانه منها شأن عبد الواحد ابن السلطان اللحياني واجلابه على تونس وكان من خبره أنه قدم من المشرق بعد مهلك أبيه السلطان أبى يحيى زكريا سنة تسع وعشرين فنزل على ذباب وبايع له عبد الملك بن مكي رئيس المشيخة بقابس وتسامع به الناس وإفريقية شاغرة من الحامية والعساكر لنهوضهم مع السلطان فاغتنم حمزة بن عمر الفرصة واستقدمه فبايع له ورحل به إلى الحضرة فنزل بساحتها ودخل عبد الواحد بن اللحياني بصحابة ابن مكي إلى البلد فأقاموا بها ريثما بلغ الخبر إلى السلطان فقفل من الحضرة وبعث في مقدمته محمد بن البطوي من بطانته في عسكر اختارهم لذلك فأجفل ابن اللحياني وجموعه عن تونس لخمس عشرة ليلة من نزوله ودخل البطوي إليها وجاء السلطان على أثره أيام عيد الفطر سنة ثنتين وثلاثين {الخبر عن نكبة الحاجب ابن سيد الناس وولاية ابن عبد العزيز وابن عبد الحكم من بعده} قد قدمنا أولية هذا الرجل وان أبا ه أبا الحسن كان حاجبا للأمير أبى زكريا ببجاية ولما هلك سنة تسعين وستمائة خلف ابنه محمدا هذا في كفالة السلطان ومرعى نعمته فاشتمل كرسيهم عليه وآواه إلى حجره وأرضهم مع الكثير من بنيه ونشأ في كنفه وكان الحجاب للدولة من بعد أبيه مثل ابن أبي حي والرخامي صنائع لأبيه فكانوا يعرفون حقه ويؤثرونه على أنفسهم في التجلة ولم يدرأ في سن الرجولية والسعي في المجد الا أيام ابن عمر آخرهم فكان له منه مكان حتى إذا ارتحل السلطان أبو يحيى إلى قسنطينة لطلب تونس وجهز له ابن عمر الآلات والعساكر وأقام له الحجاب والوزراء والقواد كان فيمن سرح معه محمد بن سيد الناس قائدا على عسكر من عساكره وكان سفيرا للسلطان فكانت له عنده أثرة واختصاص وعقد له من بعد مهلك ابن عمر على بجاية لما عزل عنها ابن القالون كما قدمنا فاستبد بها على السلطان وحماها دون عساكر زناتة ودفع في صدورهم عنها وكان له في ذلك كله مقامات مذكورة وكانت بينه وبين قائد زناتة موسى بن علي بن زبون مداخلة كل واحد منهما في مكان صاحبه على سلطانه وفطن لأمرهما وقلده حجابته سنة سبع وعشرين كما قدمناه واستخلف على مكانه ببجاية صنيعته محمد بن فرحون
(٣٤٢)