كان الأمير أبو عبد الله مخصوصا من أبيه من بين ولده بالإثرة والعناية قد صرف إليه اقباله وأوقع عليه محبته لما كان يتوسم في شواهده من الترشيح وما تحلى به من خلال الملك وكان الناس يعرفون له حق ذلك وذلك أن ابن عمر كان مستبدا بالثغور الغربية بجاية وقسنطينة ومدافعا عنها العدو من زناتة المطالبين لها فلما هلك ابن عمر سنة تسع عشرة كما قدمناه صرف السلطان نظره إلى ثغوره فعقد على بجاية لابنه الأمير أبى زكريا وعقد على حجابته لابن القالون وسرحه معه لمدافعة العدو وعقد على قسنطينة للأمير أبى عبد الله ومعه أحمد بن ياسين وخرجوا جميعا من تونس سنة عشرين ونزل كل بعمله وقدم ظافر الكبير من الغرب فولاه السلطان حجابة ابنه بقسنطينة وأنزله بها إلى أن هلك سنة سبع وعشرين على تيمرزدكت كما ذكرناه فجاء لحجابته من تونس أبو القاسم بن عبد العزيز الكاتب فأقام أربعين يوما ثم رجع إلى الحضرة وأضاف السلطان حجابة قسنطينة لابن سيد الناس إلى حجابة بجاية وبعث إليها نائبا عنه مولاه هلالا النازع إليه عن موسى بن علي قائد بنى عبد الواد فقام بخدمة الأمير أبى عبد الله إلى أن كانت نكبة ابن سيد الناس عند ما بلغ الأمير أبا عبد الله اثره وجرى في طلق استبداده ففوض له في عمله السلطان وأطلق من عنانه وكان يؤامره في شأنه ويناجيه في خلوته وأنزل معه بقسنطينة نبيلا من المعلوجين يقيم له رسم الحجابة ثم استدعى ظافر السنان من تونس سنة أربع وثلاثين لقيادة الأعبية والحرب فقدم لذلك وأقام سنة ونصفها ثم رجع وقام نبيل لحجابته كما كان ودفع يعيش بن من صنائع الدولة لقيادة العساكر وحماية الأوطان فقاسمه لذلك مراسم الخدمة ورتب الدولة واستمرت حال الأمير أبى عبد الله على ذلك والأيام تزيده ظهورا ومساعيه الملوكية تكسبه جلالا وترشيحا إلى أن أسقط دون غايته واغتاله الاجل عن مداه فهلك رضوان الله عليه آخر سبع وثلاثين وقام بأمره من بعده كبير بنيه الأمير أبو زيد عبد الرحمن فعقد له السلطان أبو بكر على عمل أبيه لنظر نبيل مولاهم لمكان صغره واستمرت حالهم على ذلك إلى آخر الدولة وكان من أمره ما نذكر بعد والله تعالى أعلم {الخبر عن شأن العرب ومهلك حمزة ثم اجلاب بنيه على الحضرة وانهزامهم ومقتل معزوز بن همر وما قارن ذلك من الاحداث لما ملك السلطان أبو الحسن تلمسان وأعمالها وقطع دابر آل زيان واجتث أصلهم وجمع كلمة زناتة على طاعته واستتبعهم عصابة تحت لوائه ودانت القبائل بالانقياد له ورجفت القلوب لرعبه ووفد عليه حمزة بن عمر يرغبه في ممالك إفريقية ويستحثه
(٣٤٦)