كان أبو عبد الله بن الحاجب أبى محمد بن تافراكين لما نزع عن السلطان أبى اسحق صاحب الحضرة لحق بحلل أولاد مهلهل من العرب ووفدوا جميعا على السلطان أبى العباس فاتح سنة سبع وستين يستحثونه إلى الحضرة ويرغبونه في ملكها فاعتذر لهم لما كان عليه من الفتنة مع ابن عمه صاحب بجاية وزحف إليها في حركة الفتح وصاروا في جملته فلما استكمل فتح بجاية سرح معهم أخاه المولى أبا يحيى زكريا في العساكر فساروا معه إلى الحضرة وابن تافراكين في جملته فنازلوها أياما وامتنعت عليهم وأقلعوا على سلم ومهادنة انعقدت بين صاحب الحضرة وبينهم وقفل المولى أبو يحيى بعسكره إلى مكان عمله ولحق ابن تافراكين بالسلطان فلم يزل في جملته إلى أن كان من فتح تونس ما نذكره والله تعالى أعلم * (الخبر عن مهلك السلطان أبى اسحق صاحب الحضرة وولاية ابنه خالد من بعده) * لما نزل السلطان أبو اسحق بالحضرة على ما ذكرناه وتخلف عن المهادنة مع السلطان أبى العباس طورا بطور واستخلص لدولتهم منصور بن حمزة أمير بنى كعب يستظهر به على أمره ويستدفع برأيه وشوكته فخلص له سائر أيامه وعقد سنة تسع وستين لابنه خالد على عسكر لنظر محمد بن رافع من طبقات الجنود من مغراوة مستبدا على ابنه وسرحه مع منصور بن حمزة وقومه وأوعز إليهم بتدويخ ضواحي بونة واكتساح نعمها وجباية ضواحيها فساروا إليها وسرح الأمير أبو يحيى زكريا صاحب بونة عسكره مع أهل الضاحية فأغنوا في مدافعتهم وانقلبوا على أعقابهم فكان آخر العهد بظهورهم ولما رجعوا إلى الحضرة تنكر السلطان لمحمد بن رافع قائد العسكر فخرج من الحضرة ولحق معاوية بمكانهم من لحقه من أعمال تونس واستقدمه السلطان بعد أن استعتب له فلما قدم تقبض عليه وأودعه السجن وعلى اثر ذلك كان مهلك السلطان ليلة من سنة سبعين بعد أن قضى وطرا من محادثة السمر وغلبه النوم آخر ليله فنام ولما أيقظه الخادم وجده ميتا فاستحال السرور وعظم الأسف وغلب على البطانة الدهش ثم راجعوا بصائرهم ورفعوا الدهش عن أنفسهم وتلافوا أمرهم بالبيعة لابنه الأمير أبى البقاء خالد فأخذها له على الناس مولاه منصور سريحة من المعلوجين وحاجبه أحمد ابن إبراهيم اليالقي وحضر لها الموحدون والفقهاء والكافة وانفض المجلس وقد انعقد أمره إلى جنازة أبيه حتى واروه التراب واستبد منصور وابن الباقي على هذا الأمير المنصوب للامر فلم يكن له تحكم عليها وكان أول ما افتتحا به امرهما ان تقبضا على القاضي محمد بن خلف الله من طبقة الفقهاء كان نزع إلى السلطان من بلده نفطة مغاضبا لمقدمها عبد الله بن علي بن الخلف فرعى له نزوعه إليه واستعمله بخطة القضاء بتونس عند مهلك أبى على عمر بن عبد الرفيع ثم ولاه قود العساكر إلى بلاد الجريد وحربهم فكان له منها عناء واستدفعوه مرات بجبايتهم يبعثون
(٣٨١)