إلى أن كان من أمره ما نذكر والله أعلم {الخبر عن بيعة العرب لابن أبي دبوس وواقعتهم مع السلطان أبى الحسن بالقيروان وما قارن ذلك كله من الاحداث} كان السلطان أبو الحسن لما استوسق له ملك إفريقية أسف العرب بمنعهم من الأمصار إلى ملوكها بالاقطاعات والضرب على أيديهم في الإتاوات فوجموا لذلك واستكانوا لغلبته وتربصوا الدوائر وربما كان بعض البادية يشن الغارات في الأطراف فيعتدها السلطان على كبارهم وأغاروا بعض الأيام في ضواحي تونس فاستاقوا الظهر الذي كان في مرعاها وأظلم الجو بينهم وبينه وخشوا عاديته وتوقعوا بأسه ووفد عليه أيام الفطر من رجالاتهم خالد بن حمزة وأخوه أحمد من بنى كعب وخليفة بن عبد الله من بنى مسكين وخليفة بن بو زيد من رجالات حكيم وساءت ظنونهم في السلطان لسوء أفعالهم فداخلوا عبد الواحد بن اللحياني في الخروج على السلطان وكان من خبر عبد الواحد هذا أنه بعد اجفاء من تونس سنة ثنتين وثلاثين كنا ذكرناه لحق بأبي تاشفين فأقام عنده في مبرة وتكرمة ولما أخذ السلطان أبو الحسن بمخنق تلمسان واشتد حصارها سأل عبد الواحد بن أبي تاشفين تخليته للخروج فودعه وخرج إلى السلطان أبى الحسن فنزل عليه ولم يزل في جملته إلى أن احتل بإفريقية فلما خشن ما بينه وبين الكعوب والتمسوا الأعياص من بنى أبى حفص فيصطفونهم للامر رجوا أن يظفروا من عبد المؤمن هذا بالبغية فداخلوه وارتاب لذلك وخشى بادرة السلطان فرفع إليه الخبر فتقبض السلطان عليهم وأحضرهم معه فأنكروا وبهتوا ثم وبخهم واعتقلهم وعسكر بساحة الحضرة لغزوهم وتلوم لبث الأعطيات وأزاح العلل وبلغ الخبر إلى أحيائهم فقطع اليأس أسباب رجائهم وانطلقوا يحزبون الأحزاب ويلمون للملك الأعياص وكان أولاد مهلهل أقيالهم وعديلة حملهم قد أيأسهم السلطان من القبول والرضا بما بالغوا في نصيحة المولى أبى حفص ومظاهرته فلحقوا بالقفر ودخلوا الرمال فركب إليهم قتيبة بن حمزة وأمه ومعهم ظعائن أبنائهما متذممين لأولاد مهلهل بالعصبية والقرابة فأجابوهم واجتمعوا بقصطيلة وتحاثوا التراب والدماء وتذامروا بما شملهم من رهب السلطان وتوقع بأسه وتفقدوا من أعياص الموحدين من ينصبونه للامر وكان بتوزر أحمد بن عثمان بن أبي دبوس آخر خلفاء بنى عبد المؤمن بمراكش وقد ذكرنا خبره وخروجه بجهات طرابلس واجلابه مع العرب على تونس أيام السلطان أبى عصيدة ثم انفضوا وبقي عثمان بجهات قابس وطرابلس إلى أن هلك بجزيرة جربة واستقر بنو أبيه
(٣٥٩)