خلوته وصار له من الدولة مكان لا يجاريه أحد فيه وكان يدعى في الدولة بالحكيم وبه عرف ابنه من بعده وأصهر إلى أحد بيوت قسنطينة فزوجوه وخلط أهله بحرم السلطان وولد له محمد ابنه بقصره ورضع مع الأمير أبى بكر ابنه ونشأ في حجر الدولة وكفالتها على أحسن الوجوه من تربيتها ولما بلغ الحد وصرف إليه رئيس الدولة يعقوب بن عمر وجه اقباله واختصاصه فكان له منه مكان أكسبه ترشيحا للرياسة فيما بعد من بين خواص السلطان وخلصائه ولما نهض السلطان إلى إفريقية قلده قيادة بعض العساكر ثم عقد له بعد مهلك ابن عمر على عمل باجة حين رقى ابن سيد الناس عنها إلى بجاية وكان عمل باجة من أعظم الولاية في الدولة فاضطلع به ثم لما آمر السلطان بطانته في نكبة ابن سيد الناس دفعه لذلك فولى القبض عليه وكبله في عصبة من البطانة في بعض الحجر من رياض رأس الطابية واستدعى ابن سيد الناس إلى السلطان ومر بمكانهم فلما انتهى إليهم توثبوا به وشدوه كتافا وتلوه إلى محبسه بالبرج المعد لعقاب أمثاله بالقصبة وتولى ابن الحكيم من امتحانه وعذابه ما ذكرناه إلى أن هلك وعقد له السلطان مكانه على الحرب والتدبير من خططه وفوض إليه فيما وراء الحضرة كما قلناه وجعل تنفيذ الأموال والكتب على الأوامر لابن عبد العزيز فكان عدله في حمل الدولة إلا أن ابن عبد الحكيم كان أشف فيه لما كان إليه من التدبير في الحرب والرياسة على الكتابة لرياسة السيف على القلم فاضطلع برياسته وأحسن الغناء والولاية إلى أن كان من خبره وخبر الدولة ما نذكر * (الخبر عن فتح قفصة وولاية الأمير أبى العباس عليها) * كان أهل الجريد منذ تقلص عنهم ظل الدولة عند انقسام الملك بين الثغور الغربية والحضرة وما إليها وصار أمرهم إلى الشورى من المشيخة الا في الأحايين يؤملون الاستبداد كما كانوا عليه من قبل الموحدين فقدم عبد المؤمن إلى إفريقية وبنى الدند على قفصة وقسنطينة وابن واطاس على توزر وابن مطروح على طرابلس فأملوا فتكها وشغل مولانا السلطان أبو بكر عنهم بعد استقلاله بالأمر وانفراده بالدعوة الحفصية شأن الفتنة مع آل يغمراسن بن زيان واجلاب عساكرهم مع حمزة بن عمر على أوطانه حتى إذا أخذ السلطان أبو الحسن بحجزتهم وأطل عليهم من مراقبه فعادوا إلى أوكارهم بعد أن استبدوا وتنفس مخنق الثغور الغربية من حصارهم وزال عن كاهل الدولة إصرها فاهتم وسكن اضطراب الخوارج على الدولة وخفت أصوات المرجفين في مهالكها وصرف السلطان نظره إلى أعطاف الذئاب الغاوية والكلاب العاوية زعماء أمصارها واعراب فلاتها فنهض إلى قفصة سنة خمس وثلاثين وقد كان استبد
(٣٤٤)