* (الفصل الثاني في ذكر مواطن هؤلاء البربر بإفريقية والمغرب) * اعلم أن لفظ المغرب في أصل وضعه اسم إضافي يدل على مكان من الأمكنة بإضافته إلى جهة المشرق ومشرق بالإضافة إلى جهة المغرب لان العرف قد يخصص هذه الأسماء بجهات معينة وأقطار مخصوصة وعرف أهل الجغرافيا المعتنين بمعرفة هيئة الأرض وقسمتها بأقاليمها ومعمورها وخرابها وجبالها وبحارها ومساكن أهلها مثل بطليموس ورجاوز وصاحب صقلية المنسوب له الكتاب المشهور بين الناس لهذا العهد في هيئة الأرض والبلدان وأمثالهم أن المغرب قطر واحد مميز بين الأقطار فحده من جهة المغرب بحر المحيط وهو عنصر الماء وسمى محيطا لاحاطته بما انكشف من الأرمن كما قدمنا أول الكتاب ويسمى أيضا البحر الأخضر لتلونه غالبا بالخضرة ويسمى بحر الظلمات لما أنه تقل فيه الأضواء من الأشعة المنعكسة على سطح الأرض من الشمس لبعده عن الأرض فيكون مظلما ولفقدان الأضواء نقل الحرارة المحللة للأبخرة فلا تزال السحب والغيوم متكاثفة على سطحه منعقدة هنا لك متراكمة وتسميه الأعاجم بحر أوقيانوس يعنون به والله أعلم ما نعنى نحن بالعنصر ويسمونه أيضا بحر البلاية بتفخيم اللام الثانية وهو بحر كبير غير منحصر لا تبعد فيه السفن عن مرأى العين من السواحل للجهل بسموت الرياح هنا لك ولنهايتها إذ لا غابة من العمران وراءه والبحار المنحصرة انما جرت فيها السفن بالرياح المعروفة الهوائية بكثرة تجاربهم فتبعث الريح من الأماكن وغاية مهبها في سمتها فكل ريح عندهم معروفة الغاية فإذا علم أن جريته بالريح المنبعثة من مكان كذا وبما خرج من ريح إلى ريح بحسب مقصوده وجهته وهذا مفقود في البحر الكبير لأنه منحصر ومنبعث الريح وان كان معروفا فيه فغايته غير معروفة لفقدان العمران وراءه فتضل السفن إذا جرت به وتذهب فتهلك وأيضا فإذا أوغل فيه فربما وقع في المتكاثف من الغيوم والأبخرة كما قلناه فيهلك فلهذا كان راكبه على غرر وخطر فحد الغرب من جهة المغرب البحر المحيط كما قلناه وعليه كثير من مدنه مثل طنجة وسلا وأزمور وانفى وأسفي وهي من مدن الغرب وحواضره وعليه أيضا مسجد ماسة وبلدتا كاوصت ونول من بلاد السوس وهي كلها من مساكن البربر وحواضرهم وتنتهي المراكب إلى وراء ساحل نول ولا تجاوزه الا على خطر كما قلناه وأما حده من جهة الشمال فالبحر الرومي والمتفرع من هذا البحر المحيط يخرج في خليج متضايق بين طنجة من بلاد المغرب وطريف من بلاد الأندلس ويسمى هذا الخليج الزقاق وعرضه ثمانية أميال فما فوقها وكانت عليه قنطرة ركبها ماء البحر ثم تذهب هذا البحر الرومي في سمت الشرق إلى أن ينتهى إلى
(٩٨)