شهرين وانقطعت الأقوات واستعصى الحصن الا بالمطاوعة فرجع إلى قابس ثم ارتحل إلى بلاد الجريد وانتهى إلى توزر ونزلها وأعمل في خدمته أجمع محمد بن بهلول من مشيختها فاستولى جباية الجريد وعاد إلى قابس وأنزله عبد الملك بن عثمان بن مكي بداره وصرح بما ورى عنه من حجه وصرف العساكر إلى الحضرة وولى بعده رياسة الموحدين وتدبير الدولة أبو يعقوب بن يزدوتن وتحول عن قابس إلى بعض جبالها تجافيا عن هوائها الوخم وأقام في انتظار الركب الحجازي وكان مريضا فتحول إلى طرابلس فأقام بها عاما ونصفه إلى أن وصل وفد الترك من الغرب الأقصى آخر سنة ثمان فخرج معهم حاجا ثم قضى فرضه وعاد فكان من شأنه واستيلائه على منصب الخلافة ما يأتي ذكره ووصل من النصرانية إلى قشتيل سنة ثمان بعد منصرف العساكر عنهم وفيهم مدرك ابن الطاغية صاحب صقلية فقاتلهم أهل الجزيرة من المكارية بنظر أبى عبد الله بن الحسين من مشيخة الموحدين ومعه ابن أومغار في قومه من أهل جربة فأظفره الله بهم ولم يزل شأن هذه الجزيرة من المكان مع العدو كذلك منذ نشأت دولة صنهاجة وربما وقعت الفتنة بين المكارية فتصل احدى الطائفين يدها بالنصارى إلى أن كان ارتجاعها في هذه النوبة سنة وأربعين لعهد مولانا السلطان أبى يحيى كما نذكره في اخباره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن مهلك السلطان أبى عصيدة وخبر أبي بكر الشهيد) * كان السلطان أبو عصيدة بعد تهيؤ سلطانه وتمهيد ملكه طرقه مرض الاستسقاء فأزمن به ثم مات على فراشه في ربيع الآخر سنة تسع ولم يخلف ابنا وكان بقصرهم سبط من أعقاب الأمير أبى زكريا جدهم من ولد أبى بكر ابنه الذي ذكرنا وفاته في خبر شقيقه أبى حفص في فتح مليانة أيام السلطان المستنصر فلم يزل بنوه في قصورهم وفى ظل ملكهم ونشأ منهم أبو بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر في إيالة السلطان أبى عصيدة وربى في جميع نعمته فلما هلك السلطان أبو عصيدة ولم يعقب وكان السلطان أبو البقاء خالد قد نزع إليه حمزة بن عمر عند الإيالة من خروج أخيه من محبسه فرغبه في ملك الحضرة واستحثه عليها ثم وصل أبو عبد الله بن يرزكين السلطان أبا عصيدة واستنهض السلطان أبا البقاء من ملك تونس فنهض كما نذكر واستراب الموحدون بتونس في شأن حركته فخافوه على أنفسهم فبايعوا لهذا الأمير أبى بكر الذي عرف بالشهيد بما كان من قبله لسبع عشرة ليلة من بيعته وأبقى أبا عبد الله بن يرزكين على وزارته وزحزح محمد بن الدباغ عن رتبة الحجابة فتوعده لما كان يحقد عليه من التقصير به أيام سلطانه فكان عونا عليه إلى أن هلك عند استيلاء السلطان أبى البقاء كما نذكره ان شاء الله تعالى
(٣٢٠)