{الخبر عن قاسم بن مرا من الكعوب القائم بالسنة في سليم ومآل أمره وتصاريف أحواله} كان هذا الرجل من الكعوب من أولاد أحمد بن كعب منهم وهو قاسم بن مر ابن أحمد نشأ بينهم ناسكا منتحلا للعبادة ولقى بالقيروان شيخ الصلحاء بعصره أبا يوسف الدهاني وأخذ عنه ولزمه ثم خرج إلى قومه مقتفيا طريقة شيخه في التزام الورع والاخذ بالسنة ما استطاع ورأى ما العرب عليه من افساد السابلة والخروج عن الجادة فأخذ نفسه بتغيير المنكر فيهم وإقامة السنة لهم ودعا إلى ذلك عشيره من أولاد أحمد وان يقاتلوا معه على ذلك فأشار عليه أولاد أبى الليل منهم وكانوا عيبة له تنصح له أن ينكف عن طلب ذلك من قومه مخافة ان يلحوا في عداوته فيفسد أمره ودفعوه إلى مطالبة غيرهم من سليم وسائر الناس بذلك وانهم منعة له ممن يرومه خاصة فجمع إليه أوباشا من البادية تبعوه على شأنه والتزموا طريقته والمرابطة معه وكأنه يسمون بالجنادة وبدا بالدعاء إلى اصلاح السابلة بالقيروان وما إليها من بلاد الساحل وتتبع المحاربين بقتل من يعثر عليه منهم بالطرق وغزو المشاهير منهم في بيوتهم واستباحة أموالهم ودمائهم حتى شردهم كل مشرد وعلت بذلك كلمته على آل حصن وصلحت السابلة بإفريقية ما بين تونس والقيروان وبلاد الجريد وطار له ذكر نفسه عليه قومه وأجمع عداوته واغتياله بنو مهلهل قاسم بن أحمد وتنصحوا ببعض ذلك للسلطان بتونس الأمير ابن حفص وأن دعوة هذا الرجل قادحة في أمر الجماعة والدولة فأغضي لهم عن ذلك وتركهم وشأنهم فخرجوا من عنده مجمعين قتله ودعوه في بعض أيامهم إلى المشاورة في شؤنهم معه على عادة العرب ووقفوا معه بساحة حيهم ثم خلصوا معه نجيا وطعنه من خلفه محمد بن مهلهل الملقب بأبي عذبتين فخر صريعا لليدين والفم وامتعض له أولاد أبى الليل وطلبوا بدمه فافترقت أحياء بنى كعب من يومئذ بعد أن كانت جميعا وقام بامره من بعده ابنه رافع على مثل طريقته إلى أن هلك في طلب الامر على يد بعض رجالات آل حصن سنة ست وسبعمائة ولم يزل بنو أبى الليل على الطلب بثار قاسم بن مرا إلى أن ظهر فيهم حمزة ومولاهم ابنا عمر بن أبي الليل وصارت إليهم الرياسة على أحيائهم واتفق في بعض الأيام اجتماع أولاد مهلهل بن قاسم في سيدي حمزة ومولاهم في مشاتيهم بالقفر فاجمع اغتيالهم وقتلهم عن آخرهم شاق ابن عمهم قاسم بن مرا ولم يفلت منهم الا طالب بن مهلهل لم يحضر معهم وعظمت الفتنة من يومئذ بين هذين الحيين وانقسمت عليهم أحياء بنى سليم وصاروا يتعاقبون في الخلاف والطاعة على الدولة وهم على ذلك لهذا العهد والرياسة في بني مهلهل اليوم لمحمد بن طالب بن مهلهل وأخيه يحيى والله وارث الأرض
(٨١)