قد قدمنا ما كان من زحف بنى مرين إلى بجاية بمداخلة صاحب تونس ولما تولى السلطان أبو البقاء اعتزم على المواصلة مع صاحب تونس قطعا للزبون عنه وعين للسفارة في ذلك شيخ القرابة المائة أبا زكريا يحيى بن زكريا الحفصي ليحكم شأن المواصلة بينهما وبعث معه القاضي أبا العباس الغيريني كبير بجاية وصاحب شوراها فأدى رسالتهم انقلبوا إلى بجاية ووجد بطانة السلطان السبيل في الغيريني فأغروه به وأشاعوا أنه داخل صاحب الحضرة في التوثب بالسلطان وتولى كبر ذلك ظافر الكبير وذكر بحديثه وما كان منه في شأن السلطان أبى اسحق وانه أغرى بنى غبرين به فاستوحش منه السلطان وتقبض عليه سنة أربع وسبعمائة ثم أغروه بقتله فقتل بمحبسه في سنة ثلاث وتولى قتله منصور التركي والله غالب على أمره {الخبر عن سفارة الحاجب بن أبي حي إلى تونس وتنكر السلطان له بعدها وعزله} ولما ولى السلطان أبو البقاء كانت عساكر بنى مرين مترددين إلى أعمال بجاية بمداخلة صاحب تونس كما ذكرناه فدوخوا نواحيها وكان ابن أبي حي مستبدا على الدولة في حجابته فضاق ذرعه بشأنهم وأهمته حال الدولة معهم ورأى أن اتصال اليد بصاحب الحضرة مما يكف عن عزمهم فعزم على مباشرة ذلك بنفسه لوثوقه من سلطانه فخرج من بجاية سنة خمس وسبعمائة وقدم إلى الحضرة رسولا على سلطانه فاهتزت له الدولة ولقى بما يجب له ولمرسله من البر وأنزله شيخ الموحدين ومدبر الدولة أبو يحيى زكريا بن اللحياني بداره استبلاغا في تكريمه وقضى من أمر تلك الرسالة حاجة صدره وكانت بطانة الأمير أبى البقاء لما خلا لهم وجه سلطانهم منه تهافتوا على النصح إليه والسعاية بابن أبى حي عنده وشمر لذلك يعقوب بن عمر وجلا منه وتابعه عليه عبد الله الرخامي من كاتب ابن أبي حي وصديقه بما كان ابن طفيل قريبه يسخط عليه الناس ويوغر له صدورهم ببأوه وتمغيره بهم فألح له العداوة في كل جانحة وأسخطه على عبد الله الرخامي وكان صديقه ومداخله فتولى من السعاية فيه مع يعقوب بن عمر كبرها وألقى إلى السلطان أن ابن أبي حي داخل صاحب الحضرة في تمكينه بثغور قسنطينة بما كان على الأمير العامل بقسنطينة صهرا لابن أبي حي وهو الذي ولاه عليها فاستراب السلطان به وتنكر له بعد عوده من تونس وخشى كل منهما بادرة صاحبه ثم رغب ابن أبي حي في قضاء فرضه وتخلية سبيله إليه فأسعف وخرج من بجاية ذاهبا إلى الحج ولحق بالقبائل من ضواحي قسنطينة وبجاية فنزل عليهم وأقام بينهم مدة ثم لحق بتونس وأقام بها إلى حين مهلك السلطان أبى عصيدة وبيعة أبى بكر الشهيد وحضر دخول الأمير أبى البقاء عليه بتونس وخلص
(٣١٦)