أياما يغاديها القتال ويراوحها ثم كشف عن مصدوقته وزحف إلى أسوارها وقد ترجل أخوه والكثير من بطانته وأوليائه فلم يقم لهم حتى تسنموا الأسوار برياض رأس الطابية فنزل عنها المقاتلة وفروا إلى داخل البلد وخامر الناس الدهش وتبرأ بعضهم من بعض وأهل الدولة في مركبهم وقوف بباب الغدر من أبو أب القصبة فلما رأوا أنهم أحيط بهم ولوا الاعقاب وقصدوا باب الجزيرة فكبروا قباله وثار أهل البلد جميعا بهم فحاصروا بساحتهم من البلد بعد عصب الريق ومضى الجند في اتباعهم فأدرك أحمد بن اليالقي فقتل وسيق رأسه إلى السلطان وتقبض على الأمير خالد واعتقل ونجا العلج منصور سريحة برأس طمرة وخام وذهل عن القتال دون الأحبة ودخل السلطان القصر واقتعد أريكته وانطلقت أيدي العيث في ديار أهل الدولة فاكتسحت ما كان الناس يضطغنون عليهم تحاملهم على الرعية واغتصاب أموالهم واضطرمت نار العيث في دورهم ومخلفهم فلم تكد أن تنطفئ ولحق بعض أهل العافية معرات من ذلك لعموم النهب وشموله حتى أطفأه الله ببركات السلطان وجميل نيته وسعادة أمره ولاذ الناس منه بالملك الرحيم والسلطان العادل وتهافتوا عليه تهافت الفراش على الذبال يلثمون أطرافه ويجدون بالدعاء له ويتنافسون في انتفاس مجيده إلى أن غشيهم الليل ودخل السلطان قصوره وخلا بما ظفر من ملك آبائه وبعث بالأمير خالد في الأسطول إلى قسنطينة فعصفت به الريح وانخرقت السفينة وترادفت الأمواج إلى أن هلك واستبد السلطان بأمره وعقد لأخيه الأمير أبى يحيى على حجابته ورعى لابن تافراكين حق انحياشه إليه ونزوعه فجعله رديفا لأخيه واستمر الامر على ذلك إلى أن كان من أمره ما نذكر ان شاء الله تعالى {الخبر عن انتقاض منصور بن حمزة واجلابه بالعم أبى يحيى زكريا على الحضرة وما كان عقب ذلك من نكبة ابن تافراكين} كان منصور بن حمزة هذا أمير البلد من بنى سليم بما كان بنى كعب وكان السلطان أبو يحيى يؤثره بمزيد العناية ويجعل له على قومه المزية وكان بنو حمزة هؤلاء منذ غلبوا على السلطان أبى الحسن على إفريقية وأزعجوه منها قد استطالت أيديهم عليها وتقسموها أوزاعا وأقطعهم أمراء الحضرة السهمان في جبايتها زيادة لما غلبوا عليه من ضواحيها وأمصارها استئلافا لهم على المصاهرة وإقامة الدعوة والحماية من أهل الثغور الغريبة فملكوا الأكثر منها وضعف سهمان السلطان بينهم فيها فلما استولى هذا السلطان أبو العباس على الحضرة واستبد بالدعوة الحفصية كبح أعنتهم عن التغلب والاستبداد وانتزع ما بأيديهم من الأمصار والعمالات التي كانت من قبل
(٣٨٣)