في جملته إلى أن دخل تونس مع ابنه السلطان أبى البقاء خالد وأما محمد فأبعد المفر ولحق بالمغرب الأقصى ونزل على يوسف بن يعقوب سلطان بنى مرين من معسكر من حصار تلمسان فاستبلغ في تكريمه وأقام عنده مدة ثم عاود وطنه ونزل عن طريقه إلى النسك ولبس الصوف وصحب الصالحين وقضى فريضة الحج وامتد عمره وحسنت فيه ظنون الكافة واعتقدوا فيه وفى دعائه وكثرت غاشيته لالتماس البركة منه وأوجب الخلفاء إزاء ذلك تجلة أخرى وأوفدوه على ملوك زناتة مرة بعد مرة في مذاهب الرد وقصود الخير وحضر في بعض الجهاد بجبل الفتح عندما نازلته عساكر السلطان أبى الحسن ولم يزل هذا دأبه إلى أن هلك في الطاعون الجارف في منتصف المائة الثامنة والله تعالى أعلم * (الخبر عن مراسلة يوسف بن يعقوب سلطان بنى مرين ومهاداته) * كان السلطان أبو عصيدة لما استفحل أمره واستوسق ملكه حدث نفسه يغزو الناحية الغربية وارتجاع ثغورها من يد الأمير أبى زكريا وكان الأمير أبو زكريا قد انتقض عليه أهل الجزائر بعد مهلك عاملها عليها من الموحدين من بنى بني الكمازير انبرى بها بعده محمد ابن علان من مشيختها واستفحل أمر عثمان بن يغمراسن وبنى عبد الواد من ورائه وتغلبوا على توجين ومغراوة وبلكين وكان سعيه لصاحب الحضرة بما كان متمسكا بدعوتهم ومتقبلا مذهب أبيه في بيعتهم فقويت عزائم السلطان أبى عصيدة لذلك ونهض من الحضرة سنة خمس وتسعين وتجاوز تخوم عمله إلى أعمال قسنطينة وأجفلت امامه الرعايا والقبائل وانتهى إلى ميلة وفيها كان منقلبه إلى حضرته في رمضان من سنته ولما ضايق عمل بجاية بغزوه أعمل الأمير أبو زكريا نظره في تسكين الناحية الغربية ليتفرغ عنها إلى مدافعة السلطان صاحب الحضرة فوصل يده بعثمان بن يغمراسن وأكد معه قديم الصهر بحادث الود والمواصلة وفى خلال ذلك زحف يوسف بن يعقوب سلطان بنى مرين إلى تلمسان وألقى عليها بكلكله واستجاش عثمان بن يغمراسن بالأمير أبى زكريا فأمده بعسكر من الموحدين لقيهم عسكر من بنى مرين فهزموهم وأثخنوا فيهم قتلا ورجع فلهم إلى بجاية وسرح يوسف بن يعقوب عساكر بنى مرين إلى بجاية وعقد عليها لأخيه أبى يحيى بعد أن كان عثمان بن سباع وفد عليها نازعا عن صاحب بجاية إليه ومرغبا له في ملكها فأوسع له في الحباء والكرامة ما شاء وبعث معه هذا العسكر فانتهوا إلى بجاية وضايقوها ثم جاوزوها إلى تاكرارت وبلاد سدونكش وعاثوا في تلك الجهات ودوخوها وانقلبوا راجعين إلى السلطان يوسف بن يعقوب بمعسكره من تلمسان وكان السلطان أبى عصيدة صاحب الحضرة لما علم بامداد الأمير أبى زكريا لعثمان بن
(٣١٣)