التراب جثما على جدثه فقرن في الوفاء معه ما تحدث به الناس واستبد من بعده بأمره وأقام سلطانه لنفسه وكان أبو عبد الله الحاجب غائبا عن الحضرة وخرج منها بالعسكر للجباية والتمهيد فلما بلغه خبر مهلك أبيه داخلته الظنة وأوجس الخيفة فصرف العسكر إلى الحضرة وارتفع مع حكيم من بنى سليم وعرض نفسه على معاقل إفريقية التي كان يظن أنها خالصة لهم فصده محمد بن أبي العيون كاتبه عن عزمه فحمد الحكيم صنيعه وطاف بهم على المهدية وبعث إليه السلطان بما رضيه من الأمان فاستصحب بعد النفور وبادر إلى الحضرة فتلقاه السلطان بالبر والترحيب وقلده حجابته وأنزله على مراتب العز والشرف ونكر هو مباشرة السلطان للناس من رفعه للحجاب ولم يزل يريضه لما ألف من الاستبداد منذ عهد أبيه فأظلم الجو بينه وبين السلطان ودبت عقارب السعاية لمهاده الوثير فتنكر وخرج من تونس ولحق بقسنطينة ونزل بها على السلطان أبى العباس مرغبا له في ملك تونس ومستحثا فأنزله خير نزل ووعده بالنهوض معه إلى إفريقية بعد الفراغ من أمر بجاية لما كان بينه وبين ابن عمه صاحبها من الفتنة كما نذكرها بعد واستبد السلطان أبو اسحق بعد مفر ابن تافراكين عنه ونظر في أعطاف ملكه وعقد على حجابته لأحمد بن إبراهيم المالقي مصطنع الحاجب أبى محمد من طبقة العمال وعلى العساكر والحرب لمولاه منصور سريحة والمعلوجي ورفع الحجاب بينه وبين رجال دولته وصنائع ملكه حتى باشر جبايات الخراج وعرفاء الحشم وأوصلهم إلى نفسه وألغى الوسائط بينهم وبينه إلى حين مهلكه كما نذكر ذلك أن شاء الله تعالى والله تعالى أعلم * (الخبر عن استيلاء السلطان أبى العباس على بجاية وملك صاحبها ابن عمه) * لما ملك الأمير أبو عبد الله بجاية واستقل بامارتها تنكر للرعية وساءت سيرته فيهم بارهاف الحد للكافة واسخاط الخاصة فنغلت الصدور ومرضت القلوب واستحكمت النفرة وتوجهت الصاغية إلى ابن عمه السلطان أبى العباس بقسنطينة لما كان استفسد منه وأعلن بلذاته وأقوم على سلطانه وكانت بينهما فتنة وحروب جرتها المنافسة في تخوم العمالتين منذ عهد الآباء وكان السلطان أبو العباس أيام نزوله على السلطان أبى سالم محمود السيرة والخلال مستقيم الطريقة في مثوى اغترابه وربما كان ينقم على ابن عمه هذا بعض النزغات المعرضة لصاحبها للملامة فاستقل بصحبته وشغل بذلك ضميره فلما استولى على بجاية علا آلى الفتنة فتنبه وشمر عزائمه لها فكان مغلبا فيها واعتلق منه يعقوب بن علي بذمه في المظاهرة على السلطان أبى العباس فلم يغن عنه وراجع يعقوب سلطانه ثم جهز هو العساكر من بجاية لمزاحمة تخوم قسنطينة وفيها مولانا
(٣٧٨)