كان للأمير أبى زكريا من الاخوة اثنان محمد وكان أسن منه ويعرف باللحياني لطول لحيته والآخر أبو إبراهيم وكان بينهم من المخالصة والمصافاة مالا يعبر عنه ولما هلك الأمير أبو زكريا وقام بالأمر ابنه أبو عبد الله المستنصر واستوزر محمد بن أبي يهدى الهنتاتي وكان عظيما في قومه فأمل ان يستبد عليه لمكان صغره إذ كان في سن العشرين ونحوها واستصعب عليه حجر السلطان بما كان له من الموالى العلوج والصنائع من بيوت الأندلس فقد كان أبو ه اصطنع منهم رجالا ورتب جندا غلبوا الموحدين وزاحموهم في مراكزهم من الدولة فداخل ابن أبي يهدى أخوي السلطان وبث عندهما الأسف على ما فاتهما من الامر فلم يجد عندهما ما أمل من ذلك فرجع إلى ابن محمد اللحياني فأجابه إلى ذلك وبايعه ابن أبي يهدى سرا ووعده المظاهرة وغى الخبر بذلك إلى السلطان من عمه محمد اللحياني وحذره من غائلة ابنه وأبلغه ذلك أيضا القاضي أبو زيد التوزري منتصحا وباكر ابن أبي يهدى مقعده للوزارة بباب السلطان لعشرين من جمادى سنة ثمان وأربعين وتقبض على الوزير أبى زيد بن جامع وخرج ومشيخة الموحدين معه فبايعوا لابن محمد اللحياني بداره واستركب السلطان أولياءه وعقد للقائد ظافر على حربهم فخرج في الجند والأولياء ولحق الموحدين بالمصلى خارج البلد ففل جمعهم وقتل ابن أبي يهدى وابن وازكتدن وسار ظافر موسى السلطان إلى دار اللحياني عم السلطان فقتله وابنه صاحب البيعة وحمل رؤسهما إلى السلطان وقتل في طريقه أخاه أبا إبراهيم وابنه وانتهب منازل الموحدين وخربت ثم سكنت الفتنة وهدأت الثائرة وعطف السلطان على الجند والأولياء وأهل الاصطناع فأدر ارزاقهم ووصل تفقدهم وأعاد عبد الله بن أبي الحسين إلى مكانه بعد أن كان هجره أول الدولة وتزحزح لابن أبي يهدى عن رتبته وتضاءل لاستطالته فرجع إلى حاله واستقامت الأمور على ذلك ثم سعى عند السلطان بمولاه ظافر وقمعوا عنوة ما أتاه من الافتيات في قتل عمه من غير جرم ونذر بذلك فخشى البادرة ولحق بالزواودة وكان المتولي لكبر هذه السعاية هلال مولاه فعقد له لمكانه واستقر في جوار العرب طريدا إلى أن كان من أمره ما نذكره ان شاء الله تعالى * (الخبر عن الآثار التي أظهرها السلطان في أيامه) * فمنها شروعه في اختطاط المصانع الملوكية وأولها المصيد بناحية بنزرت اتخذه للصيد سنة خمسين فأدار سياجا على بسيط من الأرض قد خرج نطاقه عن التحديد بحيث لا يراع فيه سرب الوحش فإذا ركب للصيد تخطى ذلك السياج إلى قورا في لمة من مواليه
(٢٨١)