وسيلته وأغضى لابن مزنى عن هناته وأسعفهم بكبير دولته وخالصة سره أبى عبد الله ابن أبي هلال ليتناول منه المخالصة ويمكن له الألفة ويمسح عنه هواجس الارتياب والمخافة وكان قد انتهى إليهم من الجباة ففصل عن الحضرة وارتحل السلطان في ذي القعدة آخر سنة ثنتين وثمانين لتفقد عماله وابتلاء الطاعة من أهل أوطانه ولما وصل وافد السلطان إلى أبي مزنى ألقى زمامه إليه وحكمه في ذات يده وقبله ومحا أثر المراوغة واستجد لبؤس الانحياش والطاعة وبادر إلى استجادة المقربات وانتقاء صنوف التحف وبعث بذلك في ركاب الوافد فدفع الذي عليه من الضريبة المعروفة محملا أكباد جياده وظهور مطاياه ووصلوا إلى معسكر السلطان بساح تبسة فاتح سنة ثلاث وثمانين فجلس لهم السلطان جلوسا فخما ولقاهم قبولا وكرامة فعرضوا الهدية وأعربوا عن الانحياش والطاعة وحسن موقع ذلك من السلطان وشملهم احسان السلطان في مقامتهم وجوائزه على الطبقات في انصرافهم وانقلبوا بما ملا صدورهم احسانا ونعمة وظفروا برضا السلطان وغبطته وحسبهم بها أمنية وبيد الله تصاريف الأمور ومظاهر الغيوب * (الخبر عن انتقاض أولاد أبى الليل ثم مراجعتهم الطاعة) * قد ذكرنا ما كان من رجوع أولاد أبى الليل هؤلاء إلى بل طاعة السلطان اثر منصرفه من فتح قابس وانهم وفدوا عليه بالحضرة فتقبلهم وعفا عن كبائرهم واسترهن على الطاعة أبناءهم واقتضى بالوفاء على ذلك أيمانهم وخرج الأخ الكريم أبو يحيى زكريا في العساكر لاقتضاء المغارم من هوارة التي استأثروا بها في مدة هذه الفتن وارتحل معه أولاد أبى الليل واحلافهم من حكيم حتى استوفى جبايته وجال في أقطار عمله ثم انكفأ راجعا إلى الحضرة ووفدوا معه على السلطان يتوسلون به في أفعالهم بالعسكر إلى بلاد الجريد لاقتضاء مغارمهم على العادة واستيفاء اقطاعاتهم فسرح السلطان معهم لذلك ابنه أبا فارس وارتحلوا معه بأحيائهم وكان ابن مزنى وابن يملول من قبله ويعقوب بن علي كثيرا ما يراسلونهم ويستدعونهم لمثل ما كانوا فيه من الانحراف ومشايعة صاحب تلمسان ولما اعتقلوا أبا زيان ببسكرة كما ذكرناه وتوفى بصريخ أبى حمو ومظاهرته فنبضت عروق الخلاف في أولاد ابن أبي الليل وفزعوا إلى العلاق بيعقوب ابن علي رجاء فيما توهموه من استغلاظ أمرهم بصاحب تلمسان ويأسا من معاودة التغلب الذي كان لهم على ضواحي إفريقية ففارقوا الأمير أبا فارس بعد أن بلغوه مأمنه من قفصة وساروا بأحيائهم إلى الزاب فلم يقعوا على الغرض ولا ظفروا بالبغية
(٣٩٤)