الثالث - أن الضلال والاضلال هو العقاب والتعذيب، كما في قوله تعالى " ان المجرمين في ضلال وسعر " 1.
الربع - أن يكون الاضلال هو التخلية وترك المنع، فيقال أضل فلان ابنه إذا لم يتعاهده بالتأديب.
ويؤيده ما عن العيون عن الإمام الرضا عليه السلام في قوله تعالى " وتركهم في ظلمات لا يبصرون "، قال: ان الله تعالى لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه، لكنه متى علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلال منعهم المعاونة واللطف وخلى بينهم وبين اختيارهم.
وقريب منه غيره.
الخامس - وهو أحسن الوجوه، انه إذا ضل الانسان باختياره عند حضور شئ من دون أن يكنون ذلك علة لضلاله بل غايته كونه من مقدماته البعيدة وعلله المعدة، يقال انه أضله، قال الله تعالى في حق الأصنام " رب انهن أضللن كثيرا من الناس " 2، أي ضلوا بهن، وقال " ولا يغوث ونسرا وقد أضلوا كثيرا " 3، أي ضل بهم كثير من الناس.
والاضلال بهذا المعنى منسوب إلى الله تعالى نظرا إلى أن الأفعال الاختيارية الصادرة عن الإنسان لها مبادئ خارجة عن دائرة اختياره، كوجود الانسان وحياته و ادراكه للفعل وشوقه إليه، وملائمة ذلك الفعل لقوة من قواه وقدرته على ايجاده، وتلك المبادئ موجدها هو موجد الانسان نفسه، وقد ثبت في محله أن بقاء الأشياء واستمرارها في الوجود محتاج إلى المؤثر في كل آن. وعلى هذا فالكفر والفسق إذا صدرا عن العبد باختياره بما أن مبادئهما من قبل الله تعالى فلذلك. يصح أن ينسبا إليه تعالى.
وبذلك يظهر الجواب عما أورد على القرآن المجيد بأنه: قد يسند الفعل إلى العبد واختياره، وقد يسند الافعال إلى الله تعالى، وهذا تناقض واضح.