وأخرى أن يقال: إن معنى حجية الخبر هو وجوب ترتيب الأثر الشرعي عليه، فالحكم بحجية خبر يتوقف على إحراز وجوده أولا، وكون ما يخبر به ذا أثر شرعي إذا كان المخبر به من الموضوعات. وعليه فإذا أخبرنا الشيخ الطوسي عن الشيخ المفيد عن الصدوق عن ابن الوليد عن الصفار عن الإمام (عليه السلام) فشمول أدلة الحجية لكل من هذه الأخبار محل إشكال. أما بالنسبة لخبر الشيخ الطوسي إلى ما قبل الراوي عن شخص الإمام (عليه السلام) - أعني إلى خبر ابن الوليد - فلأن كلا من هذه الأخبار لا يترتب على المخبر به لها أثر شرعي، سوى نفس وجوب ترتيب الأثر والحجية، فشمول العموم لكل منها موقوف على انطباقه على الخبر الذي يكون مخبرا به لها. وأما بالنسبة لخبر الراوي بلا واسطة عن المعصوم - أعني خبر الصفار - إلى ما قبل من أخبرنا بلا واسطة - أعني غير خبر الشيخ الطوسي - فلأن هذه الأخبار لم تحرز لنا بالوجدان، وإحراز كل منها لكي يحكم جزما بشمول عموم الحجية ووجوب ترتيب الأثر لها موقوف على انطباقه على الخبر الذي يخبر عنه، فما لم يشمل خبر الشيخ الطوسي لا يحرز لنا خبر الشيخ المفيد، وهكذا...
وقد أجيب عنه بما حاصله: أنه لو أريد من الإشكال أنه يلزم تقدم ما هو المتأخر وبالعكس - وهو محال - ففيه: أنه إنما يلزم لو كان هنا حكم شخصي واحد وليس كذلك لتعدد مصداق الأحكام بتعدد موضوعاتها خارجا، مضافا إلى أن الإشكال بالبيان الثاني راجع إلى توقف إحراز وجود الفرد على شمول الحكم لفرد آخر، لا إلى توقف أصل وجوده عليه. وإن أريد به عدم شمول لفظ عام أو مطلق واحد له لانصرافه عن مثله ففيه منع الانصراف أولا، وكفاية وحدة الملاك القطعي لإثبات المطلوب ثانيا.
أقول: إن الجواب بهذه الكيفية وإن كان متينا حاسما لمادة الإشكال إلا أن التحقيق: أن أصل تصوير الإشكال - ولا سيما بالبيان الأول - مبني على أن يكون المراد بحجية خبر الواحد هو وجوب ترتيب الأثر الشرعي عليه، كما شحنت به