أقول: إن ركن الاستدلال بها: أن يراد من التفقه في الدين ما يعم تعلم أحكام الله تعالى، كما هو الظاهر منه، إذ التفقه هو التعلم وصيرورة الإنسان عالما في الدين، وهو معنى يشمل تعلم أحكام الله تعالى قطعا، وإلا فإن أريد منه خصوص التبصر في أصل الدين وحصول اطمئنان وبصيرة زائدة بالنسبة لحقانيته فلا يمكن الاستدلال بها لحجية خبر الواحد، إلا أنه خلاف ظاهر مادة التفقه، ولا داعي إليه، ولا قرينة عليه.
وحينئذ نقول: إن الاستدلال به يمكن تقريره بوجهين:
أحدهما: أن يقال: إن العقلاء - ومنهم المؤمنون - لما كان بناؤهم وارتكازهم على حجية خبر الواحد الثقة إذا القيت إليهم هذه الآية المباركة لفهموا منها أنها إرشاد في موضوعها إلى طريقة عقلائية، وهو الحث على بعث وفد بالمقدار اللازم من كل جمع ليتعلموا أحكام الدين ويبينوها للمتخلفين إذا رجعوا إليهم، وهو عبارة أخرى عن حجية حكايتهم وطريقية أقوالهم إلى أحكام الله تعالى، وحيث إن المعلوم من سيرة العقلاء في أمثال المورد أن كلا من المتفقهين يبين الأحكام لجمع خاص وأفراد مخصوصة، لا أنهم يجتمعون كلهم في مكان واحد ليبينوا جميعا أحكام الله، فالآية إرشاد إلى هذه الطريقة العقلائية وإمضاء لفظي لها ولحجية الخبر الواحد وطريقيته.
وهذا الوجه هو الحق الحقيق بالتصديق في كيفية الاستدلال بالآية لحجية الخبر الواحد، ولا يرد عليه شئ من الإشكالات الآتية، سوى توهم اختصاص الآية بالإفتاء، أو منافاته للاستناد إليها في أمر الفحص عن الإمام، وسيأتي - إن شاء الله تعالى - اندفاعه.
الوجه الثاني: ما هو المذكور في كلمات المشايخ من الاستدلال بها من طريقة وجوب الحذر على المنذرين (بالفتح)، فإن إيجاب الحذر عليهم عقيب إنذارهم لا يكون إلا لحجية أقوالهم على ما أنذروا عنه من الواجبات والمحرمات.
ثم إن إثبات وجوب الحذر تارة من طريق مطلوبيته التي لا أقل من دلالة لعل