أن النبأ إذا لم يأت به الفاسق بل غير الفاسق فهو طريق موصل إلى الواقع، يعمل به من دون حاجة إلى التبين، فلا يتصور فيه إصابة القوم بجهالة للوصول إلى الواقع والعلم به واتضاحه، فليس فيه إصابة بجهالة حتى يتصور ويجئ فيه الندم، فهو خارج عن مورد التعليل، ويكون المفهوم بلا معارض.
ومعه فلا حاجة إلى دعوى أن الجهالة مقابلة للمعنى الأعم من الظن الاطمئناني والعلم القطعي كما أبدأها الشيخ الأعظم (قدس سره)، وإلا فلا يبعد دعوى أنها خلاف الظاهر عرفا، فإن القدر المسلم إنما هو إطلاق العلم عند العقلاء على موارد قيام الطرق المعتبرة، لا على مجرد الظن الاطمئناني وإن حصل من غيرها كالرؤيا.
وقد أجيب عن هذا الإيراد الثاني بأجوبة أخرى غير تامة:
منها: أن المراد بالجهالة هو السفاهة، ولا سفاهة عند العقلاء في العمل بخبر غير الفاسق، فلا يقتضي العلة عدم حجيته، حكاه الشيخ الأعظم في فرائده، واستصوبه بعض الأعاظم على ما في تقريراته، ويمكن توجيهه - كما يستفاد من الفرائد - بأن الجهالة وإن كانت بنفسها ظاهرة في ما هو مقابل العلم إلا أنها يراد منها هنا السفاهة بقرينتين:
إحداهما: أنه قد رتب في الآية المباركة على العمل بها الندامة، ولو أريد بها مقابل العلم لما اقتضى العمل بها ندامة إذا كانت حجة عقلائية، فإنه بعد قيام الحجة لابد من العمل بها، ولا يتعقبه ندامة وإن خالفت الواقع، وكيف يندم الإنسان على عمله إذا كان المفروض أنه اتبع الحجة التي لابد من العمل بها؟ فترتب الندامة على العمل بها شاهد على إرادة السفاهة منها الموجبة للندم مع انكشاف الخلاف.
ثانيتهما: أنه لا ريب في جواز العمل ببعض الأمارات الظنية كالبينة والفتوى، ولو أريد منها ما يقابل العلم لزم ورود التخصيص على التعليل، وهو آب عنه، فيراد منها السفاهة، ويكون العمل بهما خارجا عنها موضوعا، مثل خبر العادل.
وفيه: أنه مبني على صدق الجهل على موارد الأمارات المعتبرة العقلائية، وإلا فلا يكون فيها جهالة ولا ندامة، وتكون خارجة عن التعليل موضوعا كما