ويمكن منعه بأنه تعالى إنما هو بصدد بيان وجوب الحذر عليهم إذا حصل موضوعه، وأما أن موضوعه ما ذا؟ فلم يبينه وليس بصدد بيانه، فلعله مشروط بحصول العلم، فلا حجة في الآية على وجوبه مطلقا.
والجواب عنه بأن العرف يرى قول المنذرين طريقا لاستظهارهم أن المراد إيجاب الحذر عما أنذروا عنه رجوع إلى التقريب الأول.
وبعد تسليم إطلاق الوجوب فدلالته على حجية قول الناقلين المنذرين ممنوعة، وذلك أنه بعد عدم العلم بكذبهم، بل حصول الظن غالبا بصدقهم فما أخبروا بوجوبه أو حرمته لا أقل من أنه محتمل الوجوب والحرمة، والعقل حاكم معه بتنجز التكليف الواقعي قبل الفحص، فعليهم الحذر عن عقوبة التكليف المحتمل.
وقد يستشكل دلالتها - بعد تسليم إطلاق الوجوب - بأنها غير شاملة لنقل الروايات لأحد وجهين:
أحدهما: أن ظاهرها أن الإنذار متفرع على التفقه، والفقه هو العلم بالأحكام التي هي مضمون الروايات. وثانيهما: أن نفس الإنذار مقتضية لأن يكون نظر المنذر - بالكسر - إلى مفاد الروايات، أعني: أحكام الدين.
وعليهما فمورد الآية وجوب الحذر عقيب إنذار من لفهمه دخل في إنذاره، وهو المجتهد المفتي، ولا ربط لها بحجية قول الراوي الذي قوام روايته بنقل الألفاظ لا غير، فالآية ينبغي أن تعد من أدلة حجية فتوى المجتهد لمقلديه، لا خبر الراوي لغيره، وربما يزاد في موردها ما إذا كان أصل التكليف الديني معلوما للمخاطبين، وكان الإنذار على مجرد العمل به وامتثاله، كما يفعله الوعاظ. هذا.
إلا أن الحق هو ما أفاده المشايخ العظام من شمول الآية لما كان متعارفا في ذلك الزمان من تعلم أحكام الدين بالسؤال الساذج عن المعصوم (عليه السلام)، بلا توسط أي اجتهاد في فهم الجواب، كما في العارفين بفتاوى المجتهد ومسائله، فكما أن نقلهم لفتاواه نقل وحكاية، ويمكنهم الإنذار بها، والإخبار أو الإنذار متعلق بالمفاد