عليها، وأخرى من طريق وقوع الحذر غاية للإنذار الواجب، وثالثة من ناحية لزوم لغوية الإنذار لولا وجوب الحذر عقيبه.
أقول: أما الاستدلال عليه من ناحية المطلوبية المدلول عليها بلفظة " لعل " فيمكن الخدشة فيه بالمنع من ظهور هذه اللفظة بنفسها في أزيد من إبداء الاحتمال، لكنه مع ذلك أيضا يصح الاستدلال، فإن قوام الحذر إنما هو باحتمال ترتب العقوبة، وهذا الاحتمال لا يكون إلا مع تمامية الحجة على العقاب، فإنه لولاها لكان مقتضى قاعدة " قبح العقاب بلا بيان " نفي العقاب قطعا، فاحتمال الحذر وإمكان تحققه مساوق لوجوبه.
وأما الإيراد عليه - كما في الكفاية - بأن الحذر لعله من المفاسد وفوت المصالح ففيه: أنه خلاف الظاهر، فإن الإنذار منصرف، ولا أقل من أنه شامل لما كان عن عقاب الله تعالى، وهو فرده الواضح الذي بناء إنذارات الأنبياء عليه، وبعد كونه من أفراده المرادة تدل الآية بالبيان الذي ذكرناه على وجوب الحذر عنه.
وأما الاستدلال من ناحية الغائية، وأن الإنذار لما كان واجبا والحذر غاية له كان الحذر أيضا واجبا، لأن غاية الواجب إذا كان فعلا اختياريا واجب، ففيه: أنه كذلك إذا كانت الغاية من أفعال نفس المكلف بذي الغاية، وأما إذا كانت فعل الغير فهي وإن كانت مطلوبة إلا أنه لعل هنا مانعا من إيجابها عليه، فلا دليل على وجوبها.
كما أن الاستدلال من ناحية اللغوية يمكن الخدشة فيه بمثل البيان المذكور، فلعل هنا مانعا يمنع عن إيجاب الحذر على المنذرين - بالفتح - فأوجب الله الإنذار على المتفقهين، لمجرد أن يحصل بإنذارهم إمكان أن يحذر من شاء بنفسه من المنذرين - بالفتح - فلا حجة على وجوب الحذر عليهم.
هذا كله بالنسبة إلى أصل الوجوب.
ثم إنه بعد تسليم أصل الوجوب فدلالة وجوب الحذر على حجية قول الناقلين تتوقف على إطلاق الوجوب بالنسبة إلى ما إذا لم يحصل من قولهم العلم أيضا.